دولة صغيرة في دابوق
في دابوق، سر لا يعرف عنه الكثيرون، وتحت الارض يقع المركز الوطني للأمن وادارة الازمات، والذي يمر عبر الشارع الرئيس لا يتوقع ابدا ان هناك بناء يمتد اربعين مترا تحت الارض، ومؤلف من عدة طوابق، عبارة عن دولة صغيرة متكاملة، للسلم والحرب.
زرت المركز مرتين، قبل شهور، ولم تكن اعمال البناء قد انتهت، ولا التجهيزات الفنية، وتكررت الزيارة مرة اخرى قبل يومين، بعد ان بات المركز جاهزا.
يرأسه الامير علي بن الحسين، وهذا المركز مازال ينتظر قانونه حتى يعمل، مهمته ادارة البلد في الازمات مثل الحروب والقلاقل والفوضى السياسية والامنية والكوارث الطبيعية.
له مهمات في حالة السلم، ايضاً، تتركز على تقدير المخاطر وتحليلها، ووضع صاحب القرار في صورتها، وهذا غير ممكن طبعا الا اذا كانت المعلومات بين يدي خبراء المركز.
يتكون المركز من عدة طوابق، وهو عبارة عن دولة صغيرة تحت الارض، مؤهلة لادارة البلد كدولة بديلة، في الازمات الكبرى، وهو مجهز بطريقة ُتمكن المسؤولين المدنيين والعسكريين من البقاء فيه لاسابيع، دون الاضطرار للخروج في حالات الطوارئ الخطيرة جدا، وليس الهدف العيش في ملجأ هنا، بقدر ان بعض الظروف تفرض ادارة امنية وسياسية بعيدة عن الاخطار.
المركز مجهز بكل مايحتاج من كهرباء ومياه وحماية له من الحروب الكيماوية وتقنيات وشبكات متطورة وشبكات سيطرة كاملة على الاتصالات تلفزيونيا ولاسلكيا، بالاضافة الى استديوهات تلفزيونية واذاعية، للبث منها في حالات الطوارئ، وغير ذلك.
المركز ليس بديلا عن المؤسسات العسكرية والامنية، بقدر كونه كمركز ادارة..وسيط بين هذه المؤسسات، وهو بالتالي لم يأت لمصادرة دور احد، بقدر كونه مهما جدا، وله توصيفه الوظيفي المحدد، ويرتبط المركز بسلسلة غرف عمليات ومراكز مصغرة في المحافظات، والهدف الرئيس الاستمرار في ادارة الدولة في حال تعرض البلد الى اخطار كبرى.
هذا يعني ضرورة دعم المركز ماليا ومعلوماتيا وسياسيا، وعدم تركه في الظلال تحت وطأة عدم تقدير اهميته حاليا، او المنافسة بين المؤسسات ، وهي منافسة رأينا مثلها في العاصفة الثلجية الاخيرة حين انشغلت كل مؤسسة عبر اعلامها بالكلام عن بطولاتها !!.
هذا جهد خلاق، تم انجازه بكلفة قليلة جدا، مقارنة بما يمكن دفعه، في ظل نزاهة القائمين عليه، وحرفيتهم، واذا كانت كثرة تذكرت المركز بعد العاصفة الثلجية الاخيرة باعتبارها اقتربت من حدود النكبة العامة، فإن ادوار المركز تتجاوز بكثير هكذا اوضاع لتمر بإدارة الدولة خلال الزلازل، وتصل حد ادارة البلد وامكاناتها ومقدراتها خلال الحروب والقلاقل والفوضى الامنية لاسمح الله تعالى، مما يعني اننا امام مشروع حيوي وحساس، لايجوز ان نواجهه بالاهمال او الاضعاف او الشعور بالمنافسة، او التذويب، في ظل مهمات المركز.
نزولا عبر عشرات الامتار تحت الارض، انت امام دولة مصغرة، قادرة على البقاء، وادارة الدولة الأم بوسائل مختلفة، اذا تم الاضطرار الى ذلك، وبالنسبة لي، فإن ماهو مهم هنا، التنبه الى الاذرع التي من الواجب ان تعمل مع المركز، في اي ظروف طارئة او خطيرة سياسيا او امنيا، وهذه الاذرع تعاني اساسا من قلة امكاناتها ونقص احتياجاتها، ولهذا فإن المركز حتى يكون فاعلا فلابد من الوقوف عند امرين، اولهما تأسيس مراكز تابعة في كل محافظات المملكة، وثانيها تغطية النواقص في المؤسسات الاخرى، التي ستعمل كأذرع متعاونة مع المركز في حالات الطوارئ، ولايمكن ان تشتغل بفعالية، اذا كانت اساسا ضعيفة ولديها مشاكلها.
لولا خصوصيات وحساسية دور المركز وتفاصيله اللوجستية والداخلية، لاذهلنا القارئ، حول هذه الدولة الصغيرة في دابوق، لكننا نكتفي بالاشارة الى ان المركز فريد من نوعه، على كل المستويات، في بلد يتفرد بكفاءات نادرة حقا، غير اننا نفتقد في حالات كثيرة الى الارادة والمال، كما نتسم بالشخصنة التي تبدد الكثير من مزايانا، وتسلبنا القدرة على التنسيق في حالات الخطر، ولنا في انموذح تفجيرات عمان، دليل على بعض مسؤولينا الذين كانوا يتابعون مشاهدها عبر القنوات الفضائية، مثل غيرهم من مواطنين مذهولين.
هذا بعض الكلام وليس كله، وهو كلام يقول ان هذا بلد يستحق الحياة والمستقبل.
* الدستور