دولة القانون أم المدونات؟
التوسع في اصدارها يشكل التفافا على الدستور وسلطة التشريع.
قبل سنوات قليلة راجت في البلاد ظاهرة اللجان واعتبرت في حينها الوسيلة الانجع لوضع خطط الاصلاح ورسم خارطة طريق لكل القطاعات, استهوى الاسلوب جيلا من السياسيين الشبان فتوسعوا في تشكيل اللجان وصار لكل قطاع لجنة لوضع الاستراتيجيات والخطط ثم شكلت لجانا على مستوى وطني تحول بعضها الى مؤسسات فرخت هيئات ولجانا انفقت ملايين الدنانير, كل ذلك تحت يافطة الاصلاحات. وثار في حينه جدل واسع حول دستورية اللجان ودورها ونظر الكثيرون اليها باعتبارها تعديا على المؤسسات الدستورية وانتقد العديدون التوسع في الظاهرة خاصة وان ما اعدته من خطط وبرامج انتهى الى الحفظ في الادراج.
"لجان في كل مكان" هكذا كان الحال قبل سنوات ونخشى ان تتكرر الظاهرة مع المدونات فيكون شعار المرحلة "مدونات لكل المؤسسات".
حكومة الرفاعي وعند تشكيلها التزمت بتبني مدونة سلوك تحكم اداء الوزراء واخرى تنظم علاقاتها مع وسائل الاعلام ووعدت بمدونة ثالثة مع النواب, ثم سرعان ما اصبح الحديث عن المدونات كبديل عن التشريعات والقوانين, فالحكومة وحسب تصريحات رسمية ستطلب من النواب الالتزام بمدونة سلوك ولا اعرف كيف لها ان تلزم سلطة مستقلة بذلك, وقبل اسبوع تقريبا اصدرت مدونة السلوك الوظيفي, وفي المؤتمر المخصص لاعلانها قال وزير تطوير القطاع العام ان بوسع المؤسسات ان تصدر مدونات فرعية كلا حسب اختصاصه, الا ان الباب مفتوح لعشرات المدونات في البلدان الديمقراطية الدولة تقوم على القانون والمؤسسات والمدونات استثناء تلجأ اليه المؤسسات المستقلة ووسائل الاعلام على وجه التحديد لا الحكومات لضبط سلوك العاملين فيها, اما العلاقة بين الحكومات والشعوب فإنها تظل محكومة بتشريعات تقرها المجالس النيابية, ويلاحظ المرء ان البرلمانات في تلك الدول لا تترك صغيرة او كبيرة من الشؤون العامة الا وتضع لها تشريعا وعلى مدار الدورة البرلمانية يغرق النواب في مناقشة المئات من مشاريع القوانين.
وفي دولة مثل سويسرا لا تستغرب اذا ما سمعت ان الشعب كله في الولاية يتوجه للاستفتاء على قضايا تفصيلية صغيرة.
نحن لم نصل الى هذا المستوى المتقدم من الديمقراطية لكننا في المقابل لا نريد ان نعود الى الخلف فنستبدل القوانين بالمدونات بدعوى سد الثغرات ومعالجة المناطق الرمادية.
هناك في اوساط القانونيين من يشكك بقانونية المدونات ويؤكد بأن اي عقوبة بموجبها يمكن فسخها في المحاكم خاصة مدونة السلوك الوظيفي. وفي اوساط السياسيين من يعتقد ان الحكومة تتوسع في المدونات أكثر من اللازم وتفضلها على القوانين والتشريعات, ويراهن آخرون على ان الحكومة ستكتشف بعد وقت قصير ان المدونات صيغ مطاطة لا تمثل الحل الصحيح لمعالجة الثغرات ولا بد من العودة الى القوانين كاسلوب وحيد لتنظيم العلاقات بين المؤسسات والأفراد.