دفعة تحت الحساب من الحكومة للنواب
ملف القاضي الشهيد رائد زعيتر يتفاعل على مستويات كثيرة، شعبيا وسياسيا، ومجلس النواب والحكومة امام مأزق كبير مساء الغد، بعد ان أمهل النواب الحكومة، مهلة محددة، للاستجابة لطلبات النواب، رداً على جريمة القاضي، والا حجب الثقة عنها.
علينا ان نلاحظ عدة ملاحظات، اولها ان ما بين الغاضبين حقاً، على دم الرجل، واولئك الذين ُيوظّفون دم القاضي لاعتبارات سياسية، من اجل هز استقرار الحكومة، مسافة فاصلة قليلة، وفي حالات كثيرة اختلطت الدوافع في هذا المشهد.
ثاني هذه الملاحظات، ان الحكومة لايمكن ابدا ان تتجنب كلفة مقتل القاضي، ولا جدولة رد الفعل كليا، ولابد لها ان تقدم شيئا ما للنواب وللرأي العام، حتى تجدول رد الفعل الاجمالي، وهذا يعني انه لا يمكن ان تذهب للبرلمان غداً خالية اليدين كليا من اي قرارات او خيارات، ولو من باب «دفعة تحت الحساب» حتى تتضح الصورة بشكلها النهائي.
الملاحظة الثالثة تتعلق بوضع النواب ذاتهم، اذ ان ترسيم مجلس النواب بصورة المصاب باللعنة السياسية امر سيىء، وهذه ثالث مرة يطالب فيها النواب بطرد السفير الاسرائيلي، فلا تستجيب الحكومة، والثالثة ثابتة كما يقولون، وهي مطالبة تم تأسيسها على الدم، ولايمكن ابدا ان يحتمل النواب كلفة سقوطهم سياسيا وشعبيا، عبر لحس مطالباتهم، وتجاوز القصة في جلسة الغد.
كل هذا يأخذنا الى حل وحيد يحفظ ماء وجه النواب والحكومة معا، عبر صيغة لا غالب ولا مغلوب، ولا تكون هذه الصيغة الا عبر اعلان الحكومة عن قرار او قرارين، وتأجيل بقية المطالب، وبالمقابل جدولة هذا المأزق مؤقتا.
الاتصالات التي قد يتم اللجوء اليها، لسحب الاحتقان، او تهريب النصاب، قد تنجح، لكنها لا تلغي الكلفة السياسية، على احد طرفي المواجهة غدا، فهي قد تمنع الاصطدام داخل مجلس النواب، لكنها ستترك اثرا حادا على احد الجسمين، الحكومة والنواب، او كليهما.
مصادر رفيعة المستوى تقول ان الحكومة غير قادرة على مواجهة اسرائيل لان الاردن يحتاج الى التنسيق مع الاسرائيليين في ملفات مثل صيانة الاقصى وادارة الجسور، وايصال المساعدات، ودعم الفلسطينيين انسانيا، فوق الحاجة للعلاقة على مستوى التفاوض مع الاسرائيليين والفلسطينيين، وهذا هو مضمون الرأي الرسمي.
القاضي الشهيد، ترك خلفه ازمة كبيرة، وهي ازمة لا يمكن تجنبها بالتهدئة والاتصالات، والارجح ان وصفة الحل تكمن فقط في استعداد الحكومة لخطوة او خطوتين، مقابل جدولة الملف، لا تغييبه كلياً، وبغير هذا فإننا امام مشهد حساس غدا، وسنكون امام طرف خاسر وطرف رابح سياسيا، والارجح ان كل طرف يريد نقل النار الى قرص الطرف الاخر.
كان الاجدى منذ البداية ان لا تنتقل الازمة، من بين الاردنيين ضد الاسرائيليين، الى ما نراه، اي ازمة بين الاردنيين ذاتهم، وهذه اراحة لاسرائيل بشكل او آخر، وعلى هذا لا بد من اعادة انتاج البوصلة لتتوجه الازمة الى اسرائيل، بدلا من ظهورنا كلنا، بهذا الارباك.
فكرة اخيرة: اذا كانت واشنطن وتل ابيب معنيتين بالدولة الاردنية سياسيا، كان الاصل اعفاء الاردن من اي حرج، واطلاق يد الدولة لاتخاذ ما تراه من اجراءات، لكننا نقرأ هنا، صورة تقول انهم يستمتعون بإشعال النار في الداخل الاردني.
ثم إن الثأر من القاتل، لايجوز أن يتحول إلى ثأر بيننا!!.
الدستور