دعونا نتحدث بصراحة

دعونا نتحدث بصراحة
الرابط المختصر

حاليا، تقدر الأرقام الرسمية نسبة اللاجئين السوريين الذين لا يقطنون المخيمات بحوالي 90 %، فيما يقدَّر عدد السوريين المتواجدين في المملكة، بين لاجئين ومقيمين، بحوالي 1.4 مليون شخص.

التواجد خارج المخيمات يرتبط بعدة أسباب، أبرزها الارتباك الرسمي مع بدء رحلة اللجوء، وغياب خطة للتعامل مع الظاهرة في بداية الأزمة؛ إذ لم يتوقع أحد أن يصل العدد إلى هذا الحد.

أما السبب الثاني، فيرتبط بمحاولة اللاجئين أنفسهم الخروج من المخيمات، عبر محاولات يومية متكررة؛ بحثا عن عمل، أو هروبا من ظروف سيئة في تلك المخيمات.

العدد الكبير وغير المتوقع للاجئين أضاف تحديا جديدا للدولة التي كان "فيها ما يكفيها" حتى قبل الأزمة السورية؛ ما شكّل عبئا جديداً على الخزينة، وأخطر من ذلك خلق تنافسا على الخدمات والموارد المحدودة في المجتمعات المستضيفة للسوريين.

يفسّر البعض الحديث عن الضغوط التي يسببها اللجوء السوري على المجتمعات المحلية بحملة تصعيد تسعى إلى وقف اللجوء. وهي تهمة توجه أحياناً بمجرد الخوض في التفاصيل، وتحديدا ما يتعلق بواقع الخدمات في تلك المجتمعات؛ في مجال الصحة والتعليم والطرق والمياه والطاقة والبلديات والإسكان ومستوى المعيشة. إذ يرى هؤلاء أنّ في الحديث عن التأثير السلبي للجوء مِنّة على الإخوة السوريين.

هذا الموقف، ومع كل الاحترام، غير منطقي، وفيه إغفال لواقع خطير يتشكل ويتطور أكثر بتزايد أعداد السوريين. ذلك أن الهدف ليس التنكر لمعاناة اللاجئين، بل حقيقة أنّ السكوت عن الآثار الفعلية لتفاقم اللجوء إنما يعني إهمال مشكلة اجتماعية كبيرة وأزمة خطيرة، لم تطفُ على السطح بعد، لكنها تنمو بشكل متسارع في المجتمعات المضيفة التي تضررت كثيراً من تواجد السوريين فيها.

فوجود السوريين بدأ يستفزّ أبناء المجتمعات المحلية الذين يدفعون من حياتهم ثمن اللجوء؛ سواء بانعكاس ذلك على مستوى الخدمات المقدمة لهم، أو بالتنافس على لقمة العيش بعد أن حظيَ السوريون بفرص عمل كثيرة كانت من نصيب الأردنيين.

الاحتياجات المالية المطلوبة كبيرة، ولا يقوى الأردن على تحملها، وتقدّرها جهات معنية بحوالي 4.2 مليار دولار لتوفير مشاريع ذات أولوية في قطاعات خدمية فقط؛ فلا يشمل ذلك متطلبات حماية الحدود من الجماعات المتطرفة التي تتقاتل على الجبهة الشمالية.

دعونا نتحدث بصراحة، فالعاطفة لن تنفع أحدا لو تطورت الأمور ووقع المحظور في منطقة الشمال المنكوبة، كونها تضم أكبر عدد من اللاجئين، وأهلها هم من يدفعون ثمن جرائم نظام الأسد وسوء تخطيط الحكومات لقصة اللجوء، كما تقصير المجتمع الدولي في تقديم العون للأردن لتغطية كلف الانفجار السكاني الأخطر لبلد طالما تعامل مع موجات لجوء على مدى عمر الدولة.

اللجوء السوري سيطول، وتقدير مخاطره وكلفه ضرورة، حتى لا يتفاجأ أحد، لا قدر الله، بهزة تنجم عن شعور متساوٍ لدى الضيف والمضيف، بانعدام فرص العيش الكريم.

لطالما كان التحدي الأخطر الذي يواجه منظومة الأمن هو الاقتصاد. وقد تعمقت الحالة إلى مستويات غير معلومة. ولم تكن الأمور مريحة قبل ذلك، فكيف ستكون الحال والمجتمع يشهد من يقاسمه حقه في الحياة، وهو حق مقدس لا يتنازل عنه المرء لأي كان؟ فهل يدرك مسؤولونا ما يجري تحت السطح حماية للجميع؟

الغد