خفايا التحقيق الاستقصائي حول مراكز الايواء

خفايا التحقيق الاستقصائي حول مراكز الايواء
الرابط المختصر

p style=text-align: justify;عندما طلبت الزميلة مجدولين علان مديرة وحدة الاستقصاء في إذاعتنا- راديو البلد- القيام بالتحقيق الاستقصائي المتعلق بالمراكز الخاصة لإيواء ذوي الإعاقات كان في مخيلتي التجربة التي خاضتها مجدولين وزوجها عماد الرواشدة قبل عام في البحث عن المستور في مراكز الايتام التابعة لوزارة التنمية./p
p style=text-align: justify;آنذاك قام الصحفيان بتحقيق استقصائي تضمن وثائق رسمية ومقابلات خاصة مع ايتام ومشرفين تم التعهد لهم بكامل السرية. الا ان ذلك التعهد تعرض لامتحان صعب عندما تدخلت وزيرة التنمية آنذاك مع ادارة تحرير صحيفة الغد والتي نقلت تلك الضغوط للصحفيين ولادارة شبكة اريج والتي ارأس مجلسها الاداري، بضرورة تزويد الصحيفة ومن بعدها طلب الوزارة لاشرطة التسجيل واسماء المشتكين والوثائق التي بحوزتنا./p
p style=text-align: justify;واذكر انني كنت قد عرضت على رئيس تحرير الغد امكانية معاينة كافة الوثائق امامنا ولكنه اشترط الحصول عليها والاحتفاظ بها لمدة 48 ساعة وهو الوقت الكافي لتمريرها للوزارة، حيث رفضت وبعنف ان يكون هناك اي إساءة للاطفال في مراكزها للايتام./p
p style=text-align: justify;وعند رفضنا طلب ادارة التحرير اعلنت الصحيفة قطع علاقتها كامة مع شبكة اريج كما قامت بنشر رسالة غير موثقة لشخص (تبين فيما بعد انه موظف في وزارة التنمية) يتهجم على استنتاجات التحقيق ويدعي ان الاطفال تم اغراؤهم ماديا ليقولوا ما تم نشره. وبدلا من متابعة الوزارة والوسط الصحافي لنتائج التحقيق انتقل الاهتمام للتهجم على كاتبيه والمشرفين عليه./p
p style=text-align: justify;ولم يثننا ما جرى عن الاستمرار بالتحقيقات بل قمت انا بتوظيف الزميلة مجدولين وطلبت منها ترؤس وحدة للتحقيقات الاستقصائية في راديو البلد وقمنا من ذلك الوقت بالعديد من التحقيقات منها ضياع التمويل لمشاريع تنموية في الغور، وتجارة كتابة اطروحات الجامعات وتعاطي الهرمونات لدى ابطال رياضة بناء الأجسام ./p
p style=text-align: justify;وقد جاءت فكرة البحث في مراكز ايواء ذوي الاعاقات ضمن عمليات البحث، واذكر في ذلك الوقت نقاشات طويلة حول كيفية تجاوز الحواجز المفروضة على الجمهور والاعلام لمعرفة ما يجري في تلك المراكز، كما وعلمت من الزميلة مجدولين والتي لها شقيق من ذوي الاعاقة، تخوفات الاهالي من البوح للاعلام لما يحدث في تلك المراكز لاسباب مختلفه منها عدم رغبه البعض بان يعرف احد ان لهم ابناء ذوو اعاقات, والخجل وعدم وجود بدائل لدى البعض حيث كان ردهم اننا نعرف ما يجري ولكن لا بديل لهم، اي انهم مجبرون لقبول الاعتداء على ابنائهم مادامت – حسب توقعاتهم- في حدها الادنى./p
p style=text-align: justify;البدء بالتحقيق الفعلي حول الظاهرة بدأ عندما تم تكليف الصحافية حنان خندقجي والتي ابدت استعادادا تاما لخوض التجربة بصرف النظر عن نتائجها وردود الفعل، بالقيام بالتقصي الذي كان معتمدا بالدرجة الاولى على تطوع خندقجي داخل مراكز لدور رعاية المعاقين ليكون التوثيق في اعلى مستوايته خاصة وان المعوقين (خاصة ذوي الاعاقات العقلية) لهم خصوصيتهم، وعدم القدرة على البوح بما يجري لهم وعدم تقبل العديد لما يقولوه./p
p style=text-align: justify;قامت حنان بداية بجمع معلومات حول اكثر المراكز سوءا في المعاملة وانتهاكا حيال المعوقين والتي تم حصرها بعشرة مراكز، وقامت بالتوجه اليها جميعا طالبة التطوع، إلا أن الرفض كان المهيمن من قبل مديري تلك المراكز عدا مركزين اثنين كانا لنفس المالك وهما اللذان كانا مدار التقصي المخفي في التحقيق الاستقصائي والفيلم الوثائقي./p
p style=text-align: justify;كانت تقوم حنان يوميا بالتطوع وثم العودة للمكتب لشرح مشاهداتها لنا، حيث تم تدوين كل المشاهدات. وفي تلك الاوقات لم تقم حنان بالتصوير او التسجيل. ومع مرور الوقت تجرأت مرة لتصوير صورة الطفل الموثق، ومرة اخرى سجلت صوتيا من خلال هاتفها الخلوي لما يحدث في ذلك المركز./p
p style=text-align: justify;واخيرا وبعد مرور حوالي ستة اشهر من البحث الميداني الاولي وثم التخفي من خلال التطوع بدأت الصورة تتوضح وقررنا التواصل مع الناطق الرسمي بوزارة التنمية، وكما توقعنا كان الرفض هو محور ما قاله لنا، مؤكدا ان الوزارة تراقب المراكز. و رغم تأكيدنا له مشاهداتنا الا انه رفض وبشدة اقوال الزميلة حنان وقمنا بتسجيل مقابلة صوتية معه لتاكيد اقواله./p
p style=text-align: justify;وقد استمر البحث والتدقيق وكتابة التحقيق الاستقصائي خلال ربيع وصيف 2011 حتى انتهت الزميلة حنان من كتابة التقرير، وبعد موافقة شبكة أريج المشرفة عليه على محتوه تم ادخاله ضمن مسابفة اريج الاذاعية وطلبت ادارة مؤتمر اريج السنوي من حنان المشاركة في ورشة عمل حول التحقيق السري وقد تم ذلك في جلسة علنية في اواخر تشرين ثاني 2011./p
p style=text-align: justify;وكان من الحاضرين في مؤتمر اريج منتج بريطاني يعمل مع فضائية بي بي سي وقد طلب امكانية النشر المتزامن للتحقيق في ال بي بي سي. وقمنا بمفاوضات طويلة حول الموضوع كان هدفنا فيه ضمان احقية الزميلة حنان ودائرة التحقيقات لدى راديو البلد في المعلومات والاستنتاجات، وفي نفس الوقت ضرورة النشر السريع لان وضع الزميلة حنان النفسي كان سيئا جدا حيث انها والعديد من مصادرها كانوا يطالبون بالنشر الفوري رغبة منهم بوقف الاعتداءت./p
p style=text-align: justify;وفور وصول فريق البي بي سي تم الاتفاق على ان تتطوع حنان مرة اخرى في المركز الذي وثقت فيه الانتهاكات سابقا، ولزيادة التأكيد بأن ما يحصل مع حنان يتكرر بمراكز اخرى تطوعت زميلة لها تعمل في الحقل الإجتماعي لتصور في مركز اخر ، وبالفعل قامت المتطوعة المساعدة بتصوير مشاهد مؤذية لا تقل قساوتها عما صورته حنان./p
p style=text-align: justify;في البداية واجهتنا مشكلة حول كيف ستتصرف حنان وزميلتها في حال اكتشفتا او صورتا اساءات قوية هل تكشفا عملهما ام تستمرا في التخفي وتسمح بالاساة، وبعد نقاش اتفقنا على حل وسط حيث ستحاول الزميلتان التدخل بقدر المستطاع للدفاع عن الاطفال وكان هذا ما حدث كما شاهد الجميع في المشكلة حول الطفل الذي جرحت قدمه ومحاولة فرض ارتداء الحذاء رغم ذلك./p
p style=text-align: justify;وفي غضون ايام كان المخرج البريطاني حصل على مادة كافية للعودة لبريطانيا . وبعد غياب عدة اسابيع ومشاهدات كافة المواد المصورة قرر فريق التحرير لدى بي بي سي بتوجيه رسائل لعدد من المراكز تم خلالها تفصيل كافة المشاهدات وتم الطلب منهم بالتعليق. وتم إرسال الرسائل رسميا من خلال شركة بريد سريع كما تم التواصل مع وزارة التنمية والطلب منهم بتقديم مقابلة حول الموضوع. وطلب الوزير في حكومة الخصاونة من الناطق باسم الوزارة الرد على الاتهامات وجاء الرد روتينيا رافضا اي اتهامات بوجود اساءات متكررة./p
p style=text-align: justify;بعد الانتهاء من التصوير والمونتاج الاولي قام العديد من مدراء ال بي بي سي وبالتعاون مع المحامين والخبراء بالتخطيط لما يمكن نشره وما لا يمكن نشره، كما جرى نقاش متكرر معنا ومع حنان ومجدولين حول نفس الموضوع. تغطية صورة الاطفال المساء لهم كان امرا سهلا ولكن الموضوع حول ذكر اسماء المراكز واظهار صور المرشدات المعتديات سبب احراجا كبير. فالزميلة حنان طلبت وبشدة عدم ذكر اسماء المراكز وتغطية صور كافة المشرفات الا ان ادارة ال بي بي سي شعرت ان ذلك سيضعف قوة التحقيق المصور اذا كانت جميع الوجوه مخفية./p
p style=text-align: justify;واقتربت ساعة الصفر ومعها زادت مخاوف الزميلة حنان وزميلتها الطالبة الجامعية. فنشر التلفزيون لاسماء المراكز واصحابها سيثيرهم وكونهم متنفذين قد يؤدي الى مشاكل. من ناحيتنا قمنا بتطمين حنان ووفرنا لها امكانية الاختفاء عن الانظار لعدة ايام يوم بث البرنامج. كما وبناء على طلب حنان اتصلنا قبل يوم من البث مع الجهات الرسمية الاردنية لكي لا تتفاجأ بالبرنامج ولكي توفر الحماية للصحفية وللاذاعة وغيرهم من فريق العمل./p
p style=text-align: justify;طبعا صحيقة الغد والتي تغيرت ادارة التحرير فيها تقبلت فكرة التعاون واستعدت للنشر المتزامن صباح الاثنين الموافق 14 ايار. وقد تم توفير المادة المكتوبة والصور المرافقة واعد النشر المكتوب والمسموع والمرئي لبثه في راديو البلد وعبر موقع عمان نت حسب الخطة المتفق عليها وكانت النتيجة قوية ومناسبة./p
p style=text-align: justify;يتساءل الكثيرون كما نتساءل نحن: لماذا لم يتم الكشف المبكر للحد من استمرار العذاب للاطفال. فكرنا كثيرا بالموضوع ورغم اننا سألنا الوزارة عدة مرات للتعليق على الموضوع ورغم حصول التقرير(غير المنشور انذاك) على جائزة اريج الامر الذي نشر في الصحافة المحلية الا ان احدا من الوزارة او المجلس الاعلى لذوي الاعاقات لم يبدي اي اهتمام او رغبة بمعرفة ما كان مضمون التحقيق. واستمرت اللامبالة لدى الوزارة بعد وصول فريق ال بي بي سي مما يتبين في تصريحات الناطق باسم الوزارة وامتناع الوزير بالحديث مع ال بي بي سي. فيا ترى هل كان الوضوع مختلفا لو تم مشاهدة الصور والفيديوهات؟ سيتم الاتهام بالتزوير./p
p style=text-align: justify;لقد شكل بث التحقيق الاستقصائي متزامنا في العديد من وسائل الاعلام المحلية والدولية والاهتمام الشخصي لجلالة الملك والتي شملت زيارته المفاجئة نتائج ملموسة ، نشك اننا كنا قد حصلنا عليها لولا مشاركة ال بي بي سي والحصول على الادلة الفيديوهية الدامغة المثبتة للانتهاكات. واننا متاكدون من ان الاطفال وعائلاتهم سيعذروننا للتاخير في النشر بسبب رغبتنا في ايجاد حلول جذرية وليس فقط عناوين سريعة للمشكلة./p
p style=text-align: justify;في الختام يبقى التصوير السري وسيلة خطيرة وغير سهلة ويبقى الانتظار لاستخدامها كاخر وسيلة بعد استنزاف كافة الوسائل الاستثناء وليس القاعدة. وكنا ولازلنا نفضل عدم استخدام هذه الوسيلة لاسباب عديدة الا ان تجربتنا وخبرتنا العملية هي التي لم تترك لنا اي خيار سوى خيار التصوير الخفي لدعم تحقيق استقصائي معمق دام اشهر ولقاءات مع عشرات الضحايا والمشرفين السابقين والعاملين والخبراء وذوي الاهتمام./p
p style=text-align: justify;strongspan style=color: #0000ff;• الكاتب مدير عام راديو البلد وموقع عمان نت/span/strong/p

أضف تعليقك