خطأ لجنة نوبل

خطأ لجنة نوبل

 

 

هل يمكن أن تكون لجنة نوبل للآداب سهت، بسبب ضيق أفق ثقافة أعضائها الأدبية، أو بحكم ضعفهم واستسلامهم العقلي لمخرجات مسرح الحرب العالمية الثانية، فخلطت بين الروائي والكاتب المسرحي الأميركي ونستون تشرتشل وبين ونستون تشرتشل وزير المستعمرات البريطاني، فأخطأت تالياً ومنحت جائزتها للسياسي الشهير، بينما كانت تأخذ بعين الاعتبار مؤلفات الكاتب الأميركي، ذائع الصيت!؟

 

في الواقع، التصقت صفة الأديب بوزير المستعمرات بعد نيله الجائزة، بمعاني تتجاوز الإطراء على مهاراته الخطابية، لكن الجائزة نفسها لم تمنحه القدرة على ممارسة خياله خارج خطاباته المنمقة وصفحات مذكراته.

 

في الواقع، كانت أوروبا المهزومة والمصدومة أربع مرات؛ مرةً بوقوع أغلب بلدانها ومنها دول استعمارية كبرى، وتمثل رافعة أساسية في النظام الاستعماري العالمي، مثل فرنسا تحت الاحتلال، ثم بالهزيمة والصدمة الألمانية الإيطالية، ثم تمخضت الحرب عن نشوء التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، وصولاً إلى بروز الدولة السوفيتية، وظهور ستالين زعيماً يؤكد بإلحاح ريادة الدولة السوفيتية في الحرب، ونزوعه إلى تأمين دور لها من موقع دولة عظمى، بسبب ذلك كلّه كانت أوروبا بحاجة لإنتاج رمز غربي، تجتمع لديه الصلات القوية بين العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة، والعداء المتأصل لألمانيا هتلر، والنزعة القيادية التي تشمل بلدان القارة الأوروبية، والموقف القوي من الصعود السوفيتي.

 

وفي السياق ذاته، كانت هناك مشكلة تتعلق بالعامل السوفيتي وشخصية ستالين؛ فالاتحاد السوفيتي مثّل بنشوئه دولة مثقفين بنوا سلطتهم لتطبيق أفكارهم، التي تطرح بديلهم الخاص للنظام الدولي القائم، بينما كان زعيمه ستالين قادماً من حقل الثقافة الثورية. وفي ذلك الوقت، كانت أوروبا العجوز تنتقي سياسييها من بين الماليين والصناعيين أو ممن هم تحت يدهم، أو من البيوت السياسية الارستقراطية المترهلة.

 

وهنا، تبدو فكرة أن أوروبا الجديدة، تحتاج إلى وجه ثقافي مباشر من دون أن تغير هويتها الاقتصادية والسياسية المحافظة. ولم يكن أنسب من تشرتشل، رئيس الوزراء ووزير المستعمرات السابق، لا سيما مع ما له من شخصية كارزمية، وحضور طاغ. ورغم أن هذا كله لا يشكل ضمانة لتكريسه أدبياً، إلا أنه كان كافياً لتقديمه بوجه ثقافي بالنسبة التي تتطلبها الحاجة الأوروبية.

 

وكان تشرتشل حتى ذلك الوقت، وهذه مأساته، قد أصبح غير مطلوب لدور سياسي. كان انتهى من هذه الناحية، ولم يعد له في المضمار السياسي سوى أن يكون أمثولة ونموذجاً للقياس، توضح المحددات السياسية التي يجب أن يهتم الأوروبيون بها.

 

وعلينا أن نلاحظ بالمقابل، أن تشرتشل نفسه، لم ينصرف عقله نحو استثمار تقاعده المريح بالانخراط في حقل الإنجاز الأدبي، وبقي عاجزاً عن مد لجنة نوبل، ولو بقصة واحدة، تبرر قرارها عام 1953 أنه أديب، ومن مستوى إبداعي رفيع، يستحق تكريمه بجائزتها الأهم عالمياً.

 

هذه كل حكاية وزير المستعمرات البريطاني مع الأدب. لكنها ليست كل حكاية الأدب مع ونستون تشرتشل. الحكاية التي تبدأ بالسؤال حول هل يمكن ان تكون لجنة نوبل للآداب خلطت بسبب ضيق أفق ثقافة أعضائها الأدبية، أو بحكم ضعفهم واستسلامهم العقلي لمخرجات مسرح الحرب العالمية الثانية، بين الأديب الأميركي ونستون تشرتشل وبين السياسي البريطاني الشهير الذي حمل الاسم نفسه، فأخطأت تالياً ومنحت جائزتها في العام 1953 لوزير المستعمرات البريطاني، بينما كان في بالها الإنجاز الأدبي الرائج حينها للكاتب الأميركي، ذائع الصيت!؟

 

 

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

 

أضف تعليقك