خارج إطار "الصورة الكاريكاتورية"؟
قبل التطوّع بتقديم قراءات عن أبعاد الهجوم الصاروخي الذي أصاب كلا من العقبة وإيلات، فإنّ منطق التحليل يقتضي الإجابة عن أسئلة رئيسة لتحديد "أين تقع الصواريخ"، ليس جغرافيا، بل سياسيا، في سياق تحديد مصادر التهديد الأمني وشكله وخطورته وطبيعته، ومن ثم طريقة التعامل معه، وهو ما يتوجّب على الإعلام المساعدة لتحقيقه، بدلا من حفلات الردح والتطبيل، التي تقدّمنا بصورة كاريكاتورية مخجلة أمام العالم.
السؤال الرئيس، في هذا السياق يتمثل بتحديد فيما إذا كانت هذه الصواريخ تشكّل تهديدا للأمن الوطني أو تحولا في مصادره باتجاه جنوب المملكة أم أنّنا أمام حوادث عابرة أو غير منظمة- عشوائية؟
الفرضية التي تبدو الأقرب إلى التحليل الموضوعي، وتُعزّزها جملة الوقائع والمؤشرات، تتمثل بأنّ إحدى المجموعات القريبة من القاعدة هي وراء العملية.
ذلك يعود لعدة اعتبارات، أولها أنّ التقديرات الفنية والتصريحات الأردنية والإسرائيلية في الهجومين الأخيرين، كلها تدفع للتأكيد بأنّ الصواريخ قادمة من سيناء، ما يعني أنّ مصدر التهديد الأمني في هذه الحالة ليس محليّا بل خارجيّ، وليس رئيسيا، بل ثانوي.
النفي المصري لا يؤخذ (هنا) بجديّة كبيرة، ذلك أنّ السلطات المصرية ما تزال لديها "حالة إنكار" لوجود أزمة سياسية وأمنية في سيناء، ، ومن يتابع الصحف المصرية خلال الفترة الأخيرة يشعر بعمق المشكلة وخطورتها بين أبناء سيناء والحكومة المصرية.
في سيناء اليوم منطقة "أمنية رخوة" وممر استراتيجي لتهريب وهروب البشر والسلاح، وقد سبق أن انتقل بعض المطلوبين للسلطات المصرية إلى غزة، وهنالك قبائل وأنفاق وتجارة سلاح، ما يجعل من سيناء بجوار غزة وبالقرب من اليمن والسعودية وأفريقيا مصدرا لتواصل الجماعات المسلحة والممرات الأمنية الآمنة.
القاعدة لها سوابق في سيناء وطابا وشرم الشيخ، ولديها طموح بالدخول على خط القضية الفلسطينية، لأهداف شعبية وسياسية، وقد هرّبت مقاتلين سابقا إلى غزة، خلال العدوان الإسرائيلي، إلا أنّ حماس أعادتهم، ورفضت التعاون معهم.
استبعاد فرضية إيران أو من يدور في فلكها، يعود إلى أنّ العملية ليست دقيقة في أهدافها، بالرغم من استخدام صواريخ غراد، ما يعني أنّ "الرسالة الإيرانية" المفترضة ليست قوية، فضلاً عن أنّ إيران ليست معنية بمنح إسرائيل المبررات والذرائع لتسويق هجوم عسكري عليها.
أما فرضية "المؤامرة الإسرائيلية" فلا تعززها العوامل الفنية ولا السياسية، وربما الفرضية الأفضل في بناء القراءة الأردنية الأمنية هي "العبء الأمني الإسرائيلي"، والكُلفة التي يتحملها الأردن من التوتر الإقليمي والتعنت الإسرائيلي.
التهوين من خطورة هذه الهجمات خطأ، أمّا الخطيئة فهي تغييب التحليل الموضوعي في الإعلام، وكأنّ "الشعور الوطني" لا يبرز إلا بخطاب تعبوي عاطفي، معادٍ للقراءة العقلانية!