حين ينفجر "عراق الاحتلال"

حين ينفجر "عراق الاحتلال"
الرابط المختصر

 

إذا انقسم حزب الدعوة، فرع الإخوان المسلمين الشيعي قبل «الربيع العربي»، الذي انتصر بالاحتلال الأميركي، ويسيطر باستخدام التوازنات الإيرانية في بغداد، هل سينفجر العراق؟

 

نتحدث عن المالكي، وعن العبادي!

 

في وقت سابق كانت الخلافات والتوازنات في الحزب تعكس الخلافات والتباين في المواقف بين الحليفين السوري والإيراني. لكنها اليوم تنطلق في خلاف عنيف تحت عناوين «داخلية» تستحضر الحدود السياسية بين التشيع الإيراني والعربي، وأولويات الوضع في العراق، وتستعيد المخزون الثقافي العربي.

 

وهذا التواجه، الذي يصل حدود المواجهة الصامتة، جعل المرجع السيستاني يتحول إلى "صدام حسين" جديد، لدرجة أنه ترك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، بكل الاحترام الذي يحظى به، للبقاء يومين في النجف، بعد جولة عربية، منتظراً دون أن يستقبله. ما دفع الأخير للتوجه إلى بغداد طلباً للوساطة مع المرجع، ثم العودة في اليوم التالي إلى النجف ليكتشف أن الوساطة لم تؤمن له أكثر من مقابلة ممثل السيستاني، عبد الكريم الكربلائي، الذي أبلغه «لاءات» السيستاني، وأولوية الوضع العراقي بوضعه المدني.

 

ثمة أشياء لافتة أكثر من ذلك!

 

هناك مواقف عراقية تتحسب للفروقات بين التشيع الإيراني، والعربي، والإقليمي، والتشيع الأخير يشير إلى المعادلة التي تجمع إيران وحزب الله، ويتأزم المشهد بهذه التحسبات والاصفافات، لدرجة يضطر معها إمبراطور نفط الجنوب العراقي، عمّار الحكيم، إلى المسارعة بالسير في الركب، بعد أن أطلق ممثله الشخصي موقفاً إيرانياً مضاداً، تنصل منه بعد ساعتين، محاولاً اللحاق بالصدر الذي اندفع إلى الأمام حدّ إبداء استعداده للتضحية بوزرائه في الحكومة، إن كانت هذه كلفة أن يواصل المرجع موقفه المتشدد.

 

هكذا، ولد في العراق، فجأة، أكثر من صدام حسين؛ أصحاب مواقف سياسية على مسافة من إيران وأعدائها على حد سواء، وينشغلون بتكييف خطابهم مع فكرة عراقية!

 

وهذا وضع لا يمكن إلا أن يثير مواقف هستيرية، وربما فكاهية أيضاً؛ فقد اشتعلت الأمور في نفس نوري المالكي "الحاج أبو إسراء"، السبت الماضي، فاتصل بحيدر العبادي. وبعدها سُمع رئيس الوزراء وهو يحاول بانفعال أن يهدئه، لكن يبدو أن الحاج أبو إسراء لم يهدأ فأغلق سماعة الهاتف، وخرج للمرة الأولى من دون مواكبة مسلحة، مكتفيا بسائقه، وتوجه إلى مكتب العبادي واقتحمه عليه بقوة تعكس نفوذه، والأوضاع غير المستقرة في بغداد.

 

الأكثر هستيرية أن المالكي خرج بـ«دشداشته» البيتية، ولم يتخلص من خفه المنزلي!

 

في المكتب علا صراخ الحاج أبو إسراء، وتلفظ بكلام يجعلنا نستحضر المقارنة بين علي عبد الله صالح حليف الحوثيين وبين عبد ربه منصور هادي حليف الخليج.

 

وينقل الرواة العراقيون أن صراخ أبي إسراء علا حالما دخل مكتب العبادي "أبو يسر"، مطالباً باتخاذ قرار ما، والتراجع عن قرار آخر، وإقالة فلان وفلان وفلان فوراً. وهؤلاء الثلاثة معروفون لأنهم المستشارون المقربون من العبادي في رئاسة الوزراء، وهم كذلك من قيادات حزب الدعوة المناصرين لرئيس الوزراء.

 

ألتفت هنا، بخبرتي كصاحب كأس، إلى ضرورة الانتباه إلى نوعية الشراب، والتأكد أنه «غير مضروب». وهذه خبرة قد لا تكون متوفرة لدى إسلامي، أمضى معظم عمره جزءاً شيعياً من حركة الإخوان المسلمين العالمية.

 

وبعد أن رشق أبو إسراء لعناته على أبو يسر، هدأ فجأة. ولم يعد صوته مسموعاً، وبدا أن وئاماً حلّ بين الرجلين. ورغم ذلك خرج الحاج أبو إسراء بالدشداشة والخف المنزليين متبرماً، وعلى وجهه نية، يجب أن نحسن توقعها.

 

هذا هو العراق اليوم. عراق الاحتلال؛ الاحتلال الأميركي الذي يتذكره البعض وربما يحنّ إليه، ويحب البعض الآخر أن يتغنى بإخراجه. ويحب آخرون أن يسموا مرحلة خروج الأميركيين ببدء مرحلة الاحتلال الإيراني، ويحب جمع آخر أن يتجاهل مؤديات حقائق الجغرافيا والتاريخ وفروض السياسة، في وضع كهذا.

 

من الثابت أن العراق الذي تشظى طوائف مع الاحتلال. يتشظى اليوم مذهبياً، لدرجة أن الجميع يستحضرون صدام حسين، ويحاولون تقمص شخصيته. بل أن المجموعة الشيعية المعارضة التي كانت متحدة ضد صدام حسين باتهامات طائفية تتشظى في اللحظة الراهنة، ولا يجد أي من أركانها اليوم سبيلاً للبرهنة على شرعية موقفهم سوى تقمص «طاغية» الأمس، بما في ذلك الحاج أبو إسراء. ولا يختلف الأمر سوى في أن السياسيين الأولين يتلفعون بفكرة صدام حسين العراقية، بينما يطمح أبو إسراء إلى الوصول إلى اللحظة الإيرانية التي يمكن ترجمتها عراقياً إلى حديد ونار «أبو عدي»!

 

وهذا كله ليس مهماً، إن لم نفكر ونتحسب لاحتمالية انفجار العراق، أو أن يصبح ظلاً للعبادي، أو كرسياً لـ«الحاج أبو إسراء» لعقود.

 

  • ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.
أضف تعليقك