حوار مع صديقي "المتشائم"
سألني مازحا: هل توجد علاقة بين "المقاطعة" وبين انقطاع المياه ، وبينهما وبين انقطاع الحوار ، وبين كل ذلك وما يعانيه مجتمعنا من "قطيعة" وانسدادات في لواقط الارسال والاستقبال؟.
قلت له: الجذر اللغوي الذي صدرت عنه الكلمات الثلاث واحد ، وهو قطع ، اشتقت منه المقاطعة على وزن مفاعلة ، وهي - مع الفارق - تفيد المشاركة كما اشتقت منه القطيعة على وزن فعيلة وهي صيغة للمبالغة ، واشتقت منه ايضا كلمة "انقطاع" وهي على وزن انفعال ، وهي على ما يبدو تفيد الانفعال والتوتر ايضا.
قال لي: لا أدري لماذا تطاردنا "لعنة" قطع ، بمشتقاتها التي ذكرت فقد فوجئنا بقرار المقاطعة الذي اشهره الاسلاميون وفوجئنا ايضا باختيار انقطاع الكهرباء والماء ، وكانت صدمتنا اكبر بانقطاع الحوار ، وشيوع ثقافة القطيعة والانتصار - بلا سبب - لمنكق "القطع" الذي لم يتعود عليه مجتمعنا ابذا.
قلت له: اما لماذا فأنت تعرف ان لكل مسألة قصة ، وان التقاء كل هذه النوازل في موسم واحد كان نتيجة لتراكمات عديدة وتجارب متعددة افضت - كما ترى - الى هذا الحصاد وهي - وان كانت مزعجة - فانها في وجهها الآخر يمكن ان تكون دليلا على حيوية مجتمعنا ، وبداية لانطلاقة جديدة نراجع فيها خياراتنا ونختبر معها قدرتنا على الاصلاح ونتدافع بعدها لتجديد الدماء في الشرايين التي تصلبت بفعل الاخطاء المتراكمة.
قال لي: اعجب كثيرا من قدرتك على تلوين المشكلات وتزيينها ومن استمساكك بالامل رغم ما يزدحم في مجتمعنا من احباط ولا اخفي عليك بأنني اشعر بالمرارة من ترادف افعال هذه الكلمة ، اقصد "قطع" ومن تداعياتها التي اطبقت على صدورنا وولدت ما تراه من سجالات واستقطابات.
قلت له: صحيح ان ثمة علاقة بين ما ذكرت من هذه "المشتقات" الغريبة وصحيح اننا نخشى على مجتمعنا من هذه الانزلاقات لكن ما حدث يمكن ان ينبهنا الى طريق "السلامة" ويدلنا على "مفتاح" اللغز الذي نبحث عنه ويعيد الينا الثقة بأنفسنا والامل بمسيرتنا فالتصحيح - يا سيدي - يبدأ من الاعتراف بالخطأ والتصميم على تجاوزه والاعتبار من آثاره واثمانه الباهظة.
قال لي: لم افهم من كلامك شيئا قل لي بصراحة كيف يمكن ان نخرج من "لعنة" المقاطعة والقطيعة والانقطاع ، وكيف نشعر "بالاطمئنان" وهذه المفردات لا تحمل الا المزيد من الاحباط؟.
قلت له: المقاطعة يمكن ان تتحول الى مشاركة ، والقطيعة يمكن ان تلد المزيد من الاتصالات واللقاءات والانقطاع يمكن ان يفضي الى تشابك وتواصل وانفتاح في كل القنوات لكن المهم ان نعرف من اين نبدأ وبأي منطق نتعامل وفي اي اتجاه نسير؟.
اذا حسمنا خياراتنا ونزلنا من فوق الاشجار التي وقفنا عليها واضغينا الى "نبض" مجتمعنا ، وتجاوزنا حساباتنا الضيقة وتحررنا من هواجسنا ومخاوفنا غير المفهومة ، عندئذ ستعرف ان ما قلته ليس "املا" مغشوشا ولا وهما كذابا وانما حقيقة سهلة التناول وواقع ميسور التحقق.
قال لي: الآن فهمت ، لكن الا ترى معي انك متفائل اكثر مما يجب؟.
قلت: ربما ، وحين اردت ان اتابع نظرت حولي فلم ار امامي احدا.