حكومة برسم التأزيم لا الإصلاح!
يصرّ رئيس الوزراء أن يبعث دوماً برسائل محبطة للرأي العام، بعد كل حادثة مؤسفة. فالرجل لم يقف ليعترف بحجم الخطأ والخلل فيما حدث بساحة النخيل، من اعتداء غير مبرر وإفراط في استخدام العنف ضد المواطنين والإعلام، وإنّما خرج –كالعادة- يكيل الاتهامات للمعارضة!
في أجواء من التحريض والتجييش الأعمى والإفراط في استخدام الخطاب الغرائزي من قبل الإذاعات المحسوبة على الدولة والقريبة منها، وهي اللعبة نفسها التي استُخدمت بعد اعتصام 24 آذار (مارس)، فإنّ حديث الرئيس جاء ليصب الزيت على النار، ويجذّر من "فجوة الثقة" مع قوى الحراك الشعبي المختلفة.
الوقوف على فقرات محددة من خطاب الرئيس يثير القلق لدينا من طبيعة التفكير الرسمي واتجاهاته، إذ يقول "ما حدث يوم الجمعة الماضي مثّل هزيمة سياسية وتاريخية للجهة التي أرادت أن تحشد وأن تظهر الأردن غير مستقر، موضّحاً أنّه بالرغم من التحشيد وإصدار الفتاوى فقد كان هناك إصرار على التخريب وإظهار الأردن أنه غير مستقر، ولكنهم هُزموا"!
هذا خطاب مأزوم، مقلق لنا جميعاً، يسيطر عليه بوضوح المنظور الأمني، ويكشف حجم "سوء النية" في استقبال سلوك المعارضة.
لم يقف الرجل في فضفضته مع الأعيان عند هذا الحدّ، بل يستبطن حديثه عن الاعتداء على الصحافيين تبريراً غير مباشر للضرب عموماً والاعتداء عليهم خصوصاً، فهو يقول "إنّ قسماً من الصحافيين كان متواجداً في الاعتصام بصفة مشارك وليس بصفة صحافي، وبالتالي فالصحافي الذي يخلع قبعة الصحافة ويريد المشاركة في المسيرة، فذلك حقه، لكنه لا يستفيد من مزايا الصحافي"!
ذلك "النص" (من حديث الرئيس) متخم بالمغالطات والهفوات!..
أولاً؛ لا توجد ميزة للصحافي على غيره في حقوق الإنسان، فالأصل ألا تنتهك حقوق أي مواطن ولا يساء له ولا يعتدى عليه، طالما أنّه لم يتجاوز القانون. وما حدث في المسيرة لم يكن تخريباً ولا تهديداً للاستقرار، بل تعبير سلمي عن حق التظاهر والتجمع.
ثانياً؛ الصحافيون الذين تعرّضوا للضرب المبرّح كان أغلبهم يرتدي "السترة الصحافية"، ولم يكونوا مشاركين في المسيرة، ولم يشفع لهم ذلك، ولم تكن لهم "مزايا" سوى أنهم أصبحوا "أهدافاً سهلة"، ثم يخرج الرئيس ليبرّر ما حدث، بدلاً من الاعتراف بحجم الخلل والخطأ الذي وقعت فيه الحكومة!
بالرغم من كل ذلك، فإنّ تصريحات البخيت لم تصل إلى التصريحات المفاجئة لوزير الداخلية مازن الساكت، وقد ذهب إلى مدى أبعد في "شيطنة" المعارضة أمام الرأي العام، وتقديم مبررات للقمع، بل والتحشيد والتحريض الذي تزداد وتيرته في البلاد.
الساكت يعتقد بأنّ المتظاهرين كانوا يريدون الوصول إلى مرحلة "إسقاط النظام"! مفصحاً عن مخطط لإراقة الدماء، ما استدعى من الأجهزة الأمنية "اعتلاء أسطح المنازل" خوفاً من وجود "قناصة" يريدون قتل الناس!
يا ساتر يا رب! كل هذا كان مختبئاً في مسيرة الجمعة!
أي مواطن يسمع أو يقرأ تصريحات الساكت سيطالب ليس بالإصلاح السياسي، بل بإعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية وحماية النظام، إذ إنّ وصول الأمر إلى وجود قناصة ودماء وإسقاط النظام يستدعي فوراً هذا القرار!
تصريحات الرئيس والساكت لا تخرج من حكومة تفكّر بالإصلاح السياسي، بل مسكونة بالأزمة والتأزيم، ولا يمكن أن تحتوي الشارع.
الغد