حكومة إنقاذ .. بأي معنى؟

حكومة إنقاذ .. بأي معنى؟
الرابط المختصر

تتسلل مصطلحات مستوردة الى قاموس السياسة المحلي سرعان ما يُصبح لها حضور وجمهور ومريدون , ثُم تصبح مطلبا سياسيا وشرطا من شروط التوافق الوطني او ضرورة لمسيرة الحياة السياسية في البلد , دون ادنى عناية بالمصطلح ومطابقته للواقع السياسي ولا اريد ان اصل الى عبارة دون فهم للمصطلح .

احدث الابتكارات السياسية المُصطنعة , تعبير حكومة انقاذ وطني تتألف من شخصيات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة وباقي الاوصاف اللازمة لجذب الانتباه الشعبي , علما بأن هذه الحكومات غير موجودة في الدول المستقرة وغير الخاضعة لحرب اهلية او لانقسام اثني او طائفي  , لأن حكومة الانقاذ تأتي من مختلف الطوائف والاثنيات وتسير نحو وقف الحرب او الصدام وتنطلق نحو بناء دولة المواطنة المتساوية وتجاوز عقلية وذهنية المحاصصة عبر صناديق اقتراع بعد اقرار قانون انتخاب توافقي وتحديد مقاعد مجلس البرلمان حسب نسبة التمثيل لكل مكون اجتماعي .

الاردن لا يمر بكل التوصيفات التي تفترض تخليق حكومة انقاذ وطني , اما شروط الكفاءة والنزاهة فهي متوفرة في معظم اسماء حكومة الدكتور عبد الله النسور وفي شخص الرئيس , وخلافنا مع الحكومة ليس على نزاهة الفريق وكفاءته , بل على منهجية العمل وسرعة الانجاز كما أقرّ بذلك رئيس الحكومة خلال لقاء معه لاسرة الدستور بقوله “ نحن نختلف على سرعة القاطرة الاصلاحية فقط وعلينا الاتفاق على السرعة المناسبة للقاطرة “ .

برنامج الاصلاح واضح وتم شبه اجماع عليه من خلال مضمون اوراق الملك النقاشية التي تضمنت اخر اوراقها عنوان التمكين الديمقراطي , وهذه الاوراق رغم انحيازها للمستقبل الديمقراطي الا انها واجهت بعقوق من المؤسسات الحزبية والنقابية التي تُطالب الآن بحكومة انقاذ وطني ,  ومواصفات هذه الحكومة حسب البيانات الصادرة ان تقوم بمراجعة القوانين الناظمة للحياة السياسية وتقوم بإجراء تعديلات على الدستور , رغم ان الاوراق النقاشية الملكية طرحت كل ذلك ووفرت له ارضية للحوار ومرجعية نظرية للتطبيق .

اللجوء الى المصطلح الغامض والضبابي ولن أزلف واقول الضلالي , هو تعبير عن ازمة ذاتية لمن يقوم بإطلاق المصطلح , ومحاولة تعميمه يُخفي بداخله ازمة ذاتية او عدم فهم موضوعي للحالة الوطنية , فيقوم بتعويم المصطلح وتضخيمه على حساب فهمه وفهم ضرورته ومكانه وزمانه , للسعي الى نقل الكرة من مرماه الى المرمى الآخر لعدم وجود برنامج واضح لديه , وهذا ما اوقع احزاب كثيرة في خانة الضياع الشعبي وسبّب حالة عزوف عنها وتاليا اما دخولها في الجُبّ او في خانة التطرف .

ما تحتاجه الحالة الوطنية هو عقل قابل للآخر وعقل يقيس الاحداث بميزان الحالة الوطنية ويعتمد المواقيت الوطنية , فتسريع القاطرة الاصلاحية قد يقودها الى حادث مربك او قاتل , والمسير البطيئ يُفقد الناس الثقة ويدفعهم نحو الاحباط , وتحديد السرعة بحاجة الى طاولة حوار حقيقي يتمخض عنها جدول زمني واضح لاقرار مخرجات التوافق الوطني , دون القاء مخرجات الحوار في الادراج كما تقول الذاكرة السياسية , وهذا هو الانتقاد لمنهجية الحكومات في التعاطي مع مخرجات لجان الحوار الوطني .

حكومة الانقاذ الوطني وصفة لواقع غير الواقع الاردني , وما نحتاج هو اما حكومة برلمانية تتشكل من ائتلاف نيابي واسع قادر على حسم الثقة البرلمانية او حكومة حزبية بعد إنضاج التجربة الحزبية التي تقدم كل يوم نموذجا على انحسار وعيها وتمترسها خلف المصطلح الضبابي والضلالي لإخفاء عجزها عن التواصل مع الواقع الاجتماعي واجتراح الحلول الجاذبة للانصار والاعضاء .

ربما يُغري المصطلح الجديد غرور بعض الساسة ويُعمي بصيرة بعض النشطاء , لان الاسماء النزيهة وصاحبة الكفاءة تحتاج الى منظومة تلظم خيط عملها لانتاج ماكينة عمل برامجي يضمن الغاء الأنا لصالح الفريق او الحزب , نحن بحاجة الى التمكين الديمقراطي وهذا بحاجة الى حوار جاد على ارضية مخرجات لجنة الاجندة الوطنية الاخيرة التي اضعنا فرصة تنفيذ مخرجاتها في العامين الماضيين ولكن الفرصة قائمة لاسترداد مضمون الاتفاق الوطني والبناء عليه .

الدستور

أضف تعليقك