عجزت ثلاث حكومات عن دفع عجلة الإصلاح إلى الأمام، فهل ستنجح الحكومة “الرابعة” بتحقيق المعجزة؟
بوسعنا أن نضع حكومة الخصاونة كحالة للدراسة، ابتداء من لحظة تشكيلها وحتى إشهار استقالتها من “أنقرة”، لنكتشف أننا أمام أزمة عابرة للحكومات، فقد جرى تسويق الرئيس “كمنقذ”، ومن موقعه كقاض في أعلى محكمة دولية كان يفترض أن ترتبط مهمته بمسألتين: إقامة موازين العدالة، وتصميم ما يلزم من تشريعات سياسية ، وفي أول تصريحاته ذهب فورا إلى عنوان “الولاية العامة”، لكن بعد ستة شهور فقط، لم يتحقق شيء فاعتذر الرجل وغادر، وكان إخراج المغادرة يعبر بما يكفي عن مخاضات التجربة الصعبة وما انتهت إليه من آلام وأحزان.
يمكن بالطبع وضع ما يمكن من ملاحظات على أداء حكومة الخصاونة، لكن علينا أن نتذكر أن كل ما يخطر على بالنا من انتقادات سبق أن أطلقناها على الحكومات السابقة: المماطلة بتنفيذ الإصلاح، عدم التعاون مع مجلس النواب، الهروب من مواجهة الأزمة الاقتصادية، الانشغال بالحوارات الجانبية مع بعض القوى على حساب قوى أخرى، الفشل بإعداد التشريعات المقنعة..الخ، ما يعني أن الحكومات في بلدنا تبدو نسخة واحدة، وان نهاياتها واحدة، وهنا يصدمنا سؤال طالما يتكرر: أين المشكلة إذن، في الحكومات برؤسائها ووزرائها وقراراتها أم بالمعادلات السياسية القائمة؟.
صحيح، أخطأت حكومة الخصاونة حين امتثلت لضغوط بعض القوى وحين أحجمت عن مصارحة الناس بالواقع وحين انتظرت أن يهبط عليها الفرج من السماء وهي “قاعدة” تتفرج، وحين خفضت جناحها لمجلس النواب وحين صمتت على بعض التجاوزات، لكننا أيضا أخطأنا حين تركناها تخوض معارك الدفاع عن نفسها لوحدها وحين طوقناها بما يلزم من قيود وحين تعاملنا معها بمنطق “الاستخدام” لتجاوز اللحظة الحرجة دون أية تنازلات.
رسالة تبديل الحكومات إذن ضلت طريقها إلى الشارع، والرهان أصبح معلقا على تبديل المقررات والسياسات، فقد ثبت أن الأشخاص مهما كان وزنهم السياسي غير قادرين على إزاحة ما تراكم من أخطاء ولا تجاوز ما يحدث من أزمات، وبالتالي فإن امتحان الحكومة الجديدة يبدو أصعب لإثبات عكس ما استقر بأذهان الأردنيين، وهو امتحان لا يتعلق بالرئيس الجديد وطاقمه الوزاري فقط إنما بإرادة الدولة وجديتها وقدرتها على توجيه مؤسساتها للتوافق على مشروع إصلاح حقيقي يكتسب مشروعيته من الناس ولا يفصّل بناء على مقاسات خاصة أو تبعا لحسابات وهمية دفعنا ثمن تجاربها المرة أكثر من مرة.
بعد تجربة حكومات مثنى وثلاث ورباع.. وبعد نحو عام ونصف على حراك شعبي غير مسبوق ارتطم –للأسف- بصخرة الاستعصاء السياسي، وبعد احساس الناس بمزيد من الضيق الاقتصادي والنفسي، ما الذي يمكن أن نقدمه للخروج من هذه الأزمات المتناسلة؟
لا أعتقد أن لدينا الكثير.. من الوقت و الوعود، لكن يمكن فقط مصارحة الناس بالحقيقة ومطالبتهم بعدئذ بقبولها أو التعامل معها بروح وطنية مجردة من أية حسابات شخصية، والحقيقة هنا لها عنوان واحد معروف ويجب أن نتوجه اليه بأمانة، سواء فيما يتعلق بقضايا الفساد أو بملفات الإصلاح وشروطة أو بعلاقة الناس مع الدولة .
كنا نقول مع كل تغيير حكومي: أعان الله رئيسها وأعضاءها على القيام بواجبهم ، أما الآن فنقول ايضا: أعان الله بلدنا على الخروج من أزمته ، وهدانا جميعا للصواب.
span style=color: #ff0000;الدستور/span