حقق.. حلل.. حاسب

حقق.. حلل.. حاسب
الرابط المختصر

نجحت "أريج" (إعلاميون من أجل صحافة استقصائية) في حشد جمهرة من كبار الإعلاميين من الوطن العربي ودول أجنبية، في عمان، من خلال مؤتمرها السادس الذي عقد مطلع الأسبوع الحالي، حيث تباحثوا في حال الإعلام العربي بعد ما يعرف بـ"ربيع العرب".

في واجهة مؤتمر "أريج" الذي عقد على مدار ثلاثة أيام، كانت اليافطة الرئيسة في القاعة تقول "حقق.. حلل.. حاسب"، وفيه حضر صحفيون استقصائيون من بلاد عربية مختلفة، ناهز عددهم 350 صحفيا، إضافة إلى ما يقرب من 30 صحفيا أجنبيا خبراء في مجال الصحافة الاستقصائية، التي تعمل "أريج"، ونجحت في إحيائها باعتبار أن الاستقصاء البداية لكشف الحقائق.

خلال جلسات المؤتمر، تحدث صحفيون عن حال الإعلام العربي حاليا، خاصة بعد اندلاع "ربيع العرب" العام 2011. وفيها أجمع الكل أو كادوا على أن الإعلام في دول مختلفة وقع ضحية استقطابات حادة بين أطراف النزاع، وانزلق صحفيون نحو درك من "التطوعية" بيد السلطة للتحشيد وإقصاء الآخر.

ولأن الكلام عن إعلام العرب (البعيد عن الاستقصاء) كان ذا شجون، ويحتاج لمؤتمرات وجلسات حوارية مختلفة، فإنه فيما كان المؤتمرون يتحدثون عن تجييش سواد الإعلام في معارك جانبية لإرضاء هذا الطرف أو ذاك، كان فريق آخر يعتقد بحزم أن الإعلام عندما يفقد بوصلته في الشفافية والموضوعية والحيادية يضيع، وعندما ينفذ أجندة هذه الدولة أو تلك، يعود إلى عصر الإعلام الشمولي الذي كان محط نقد دائم.

ولأن ساحات الوطن العربي في مصر وليبيا وتونس ولبنان وفلسطين والبحرين وسورية والعراق وغيرها مليئة بالأحداث والمنعطفات والاصطفافات، فقد وجد مؤتمرون أنه لا يتم الافتئات على سواد إعلام العرب عندما يقال إنه ابتعد بشكل كامل عن مراقبة أداء السلطات، وانزلق نحو حالة استقطاب وتحشيد مارستها وسائط إعلام مؤثرة، بعضها بات يشكل واجهات لتحالف السلطة والمال.

ورغم أن الإعلام في الأصل أداة وعين الناس لكشف المستور وفضح ما تخفيه الحكومات العربية عن شعوبها، إلا أن الواقع العربي يشير إلى عكس ذلك؛ فقد تحول سواد القنوات والصحف الإعلامية العربية إلى سلاح قاتل، بدل أن تعمل لحماية البشر، خصوصا في ظل افتقار صحافة عربية كثيرة لعناصر الاستقلال التي تمكنها من القيام بدورها بالمحاسبة والرقابة.

ملاحظات جمة تحدث عنها المشاركون في المؤتمر. وكان الحديث فرصة لا تتكرر إلا مرة كل سنة، لمعرفة واقع الإعلام في المشرق والمغرب العربي، والاطلاع على رأي العاملين في الحقل الإعلامي مما يجري، وقراءة المشهد الداخلي في كل دولة عربية على حدة.

عندما يتحدث صحفي يمني، وآخر بحريني، وثالث مصري، ورابع سوري، وتونسي ومغاربي، وأردني عن واقع الإعلام في كل دولة، ويسترسل في ذكر الملاحظات والهنات التي يقع فيها الإعلام الذي ما يزال يدور في فلك الحكومات (أي حكومات)، فإنك تشعر أن الكلام واحد؛ فما ينطبق على تونس مثلا، ينسحب على مصر وغيرها.

الواضح أن حال جل إعلام العرب واحد، والواضح أيضا أن معاناة الإعلاميين في الشرق والغرب العربي واحدة، وإنْ تغيرت المسميات والأدوات. والواضح أن الإعلام عندنا كعرب ما يزال يبحث عن دوره، ولم نستطع الإفادة من مساحات الحرية والديمقراطية والتحرر إلا بالمقدار الذي أرادته لنا الحكومات، ولم يستطع الإعلام أن ينهض ويعيد ترتيب بيته الداخلي، وإنما بقي مأسورا لقيم وعادات قديمة تحدث عنها مشاركون باستفاضة. وبات مراسلون إعلاميون يفترض فيهم الحياد والموضوعية، محرضين على جهة ومنافحين عن أخرى، وبعضهم بات يدعو للجهاد، ونسي أولئك دورهم الصحفي المستقل والحيادي، والأمثلة على ذلك كثيرة، من الخليج إلى المحيط.

الغد