حصاد الاخوان المسلمين
يستقطب التيار الاسلامي الانظار منذ بداية الربيع العربي, فقد تحول تحت مناخ الربيع العربي من تيار معزول ملاحق, قادته في السجون والمنافي, الى قوة سياسية فاعلة تستعد لدخول مواقع السلطة من اوسع ابوابها كما في مصر وتونس. واضافة الى دورها الرئيسي المتوقع في الثورة السورية فان اول من سيقطف ثمار ثورات الربيع العربي هي جماعة الاخوان المسلمين.
هذا الواقع يثير جدلا بين القوى والتيارات الشعبية القديمة والجديدة, يتحول احيانا الى حالة انقسام في الشارع العربي تجاه الاخوان كما نشاهد في مصر, وفي الخلافات التي تثار كل يوم جمعة في ميدان التحرير بين اسلاميين وغير اسلاميين (بالمعنى السياسي). والامر ينصرف على الوضع في تونس فالحوار يزداد سخونة حول دور حزب النهضة الاسلامي, وعلى الطريقة التونسية (فاللايكيين) اي العلمانيين اكثر جرأة في المواجهة والاعلان عن رفضهم لبرنامج حزب الغنوشي (النهضة).
على خلفية هذه الجدالات يمكن تفسير الخلافات القائمة في شارعي الثورة المصرية والتونسية حول موعد الانتخابات التشريعية, الاسلاميون يريدونها مبكرة, وباقي جماعات الثورة الشبابية يريدون وقتا اضافيا يمنحهم فرصة تنظيم الجماهير, وهي فرصة يمسك الاسلاميون بناصيتها منذ عقود طويلة.
ووسط الحوارات والمواجهات في ميادين اختبار القوة من خلال التنافس في جمع الحشود واحتلال الشوارع والميادين يسجل الاسلاميون نقاط قوة ميدانية وسياسية كل يوم. لقد فاجأهم الربيع العربي كما فاجأ الحكام لكنهم كانوا في الصف الرابح باستثمار اخطاء الحكام الطويلة والمتراكمة.
لقد تم عزل الاسلاميين ومحاربتهم وحصارهم في مصر وتونس باثارة مشاعر الخوف بين الشعوب وفي المجتمع الدولي من حدوث اخطار جسيمة ستهدد أمن المنطقة والعالم ان وصل الاسلاميون الى الحكم, وتم إلحاق وصف الارهاب بهم في كل مناسبة. وغرض الحكام من هذه المزاعم لم يكن فقط كسب تأييد امريكا واوروبا ونيل الدعم والمساندة المادية والامنية والعسكرية, انما ايضا تعزيز وتكريس انظمتهم الاستبدادية والديكتاتورية, فأصبحت كلمة "الامن" مرادفة للقضاء على الاسلاميين وملاحقتهم, وألحق بهم كل من دعا الى الحرية والديمقراطية واتهامه بأنه يمهد الارضية لوصول اغلبية اسلامية الى البرلمانات.
هذه المواقف الرسمية العربية لم تؤد في الواقع إلا الى تعزيز قوة الاسلاميين في الشارع, لقد منحتهم فرصة نادرة وهي الانفراد بالمعارضات وامساك زمام قيادتها. وأدت الملاحقات والمضايقات للاخوان الى افراز صفوف من القياديين الذين اصطفت خلفهم جماهير واسعة ومنظمة. فما نشهده على ارض الثورات العربية هو وجود حزب واحد قوي يملك القيادات والبرامج والانصار المخلصين بمئات الآلاف, انه حزب الاخوان الذي ظل وحيدا في الميدان عندما انهارت الانظمة ومؤسساتها.
لقد ألتقط قادة الاسلاميين في مصر وتونس اللحظة التاريخية واحتضنوها وتعاملوا معها بذكاء شديد عندما اطلقوا شعارات في سماء الربيع العربي هي اقرب الى الراديكالية الليبرالية وفتحوا الابواب امام حوارات بأفكار منفتحة مع شرائح الثورة في تونس ومصر من اجل اطفاء المخاوف من نوايا السيطرة على الانتخابات الرئاسية والتشريعية واعلنوا بأن كل ما يطمحون اليه هو الوصول بكتل كبيرة الى البرلمان (لكن ليست اغلبية) كما اعلنوا جهارا عدم المنافسة في الانتخابات الرئاسية.
الحصاد الآخر, الذي لا يقل اهمية, هو نجاح الاسلاميين في تونس ومصر بكسب تأييد عواصم الغرب لدورهم في الربيع العربي. وفي ندوة (حضرتها) في باريس خاطب ممثل حزب النهضة التونسي الفرنسيين والغرب قائلا: "نحن سنفاجئكم بمدى ليبراليتنا وديمقراطيتنا" وذلك في معرض رده على ما أثير من مخاوف حصول تطرف اسلامي سياسي واجتماعي في تونس. فرد عليه وزير الخارجية الفرنسي الن جوبيه "ونحن سنفاجئكم ايضا بدعمنا وتفهمنا". لقد تحول الاسلاميون في نظر الغرب من "قوى إرهابية" معادية للديمقراطية الى قوة اساسية من اجل الديمقراطية, وهذا تطور ستكون له ابعاده وتفاعلاته.
العرب اليوم