حسن نصر الله لإسرائيل: إني أتهم

حسن نصر الله لإسرائيل: إني أتهم
الرابط المختصر

ساعتان ونصف الساعة ، قضيناها ليلة البارحة مع السيد حسن نصرالله ، عرض في خلالها الأمين العام لحزب الله ، من القرائن والمؤشرات ، ما يكفي على الأقل ، لوضع إسرائيل من ضمن قائمة المشتبه بهم في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، وإنهاء سنوات خمس عجاف من "الاستبعاد الرسمي ، الرسمي والمنهجي المنظم" لكل اقتراح أو قرينة تقضي بتويجه أصابع الاتهام لإسرائيل.

مثير للإعجاب ، ذلك العرض السلسل والمتسلسل ، للدوافع والمصلحة والأساليب والقدرات.. ومثير للانطباع ذلك التوثيق الدقيق لشهادات العملاء وإفادات الجواسيس.. ومدعاة للاحترام ، تلك القدرة التي توفرت عليها المقاومة ، في مجال "اختراق العدو" بما في ذلك التعرض "لبث طائرات الاستطلاع من دون طيّار" ، فقد شهدنا ما لم نعتد على مشاهدته من قبل دول وحكومات وجيوش على مدى عشريات ست من الصراع العربي الإسرائيلي.

لم يقل حسن نصرالله ، أن لديه من البراهين والشواهد ما يكفي لإدانة إسرائيل ، مع أن ما عرضه الرجل كان أكثر بكثير مما توفر لديتلف ميليس عندما أدان سوريا والضباط الأربعة بالجريمة النكراء ، كل ما طالب به "السيّد" لا يزيد عن "لفت النظر" إلى "العامل الإسرائيلي" في الجريمة ، وإدراجه كواحد من الاحتمالات التي لا يجوز استبعادها قبل استنفاذ التحقيق فيها.

نجح نصرالله في أداء مهمته أيما نجاح ، فهو ساق المقدمات المفضية إلى النتائج ، تحدث عن دوافع إسرائيل ومصلحتها في الجريمة ، عرض لمحاولاتها المتكررة زرع فتنة مذهبية في لبنان تأتي عليه وعلى مقاومته ، وهو أفاض عند الحديث عن قدرات إسرائيل وإمكانياتها ، بل ومحاولاتها السابقة ، قبل أن ينتقل إلى عرض شهادات الجواسيس وإفاداتهم ، لينتهي إلى عرض الصور الجوية التي تظهر إصرار إسرائيل على رصد وتتبع قادة لبنان جميعا ، بمن فيهم أصدقاؤها وعملاؤها ، واضعا كل هذه المعلومات في تصرف الحكومة اللبنانية التي يتعين عليها أن تلاحق ملفين بعد اليوم ، وليس ملفاً واحداً: ملف شهود الزور ، وملف "لائحة الاتهام الظني" التي وجهها حسن نصر لإسرائيل أمس.

لم يخاطب نصرالله المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، فهذه المحكمة التي ترفض من دون مسوّغ التحقيق مع شهود الزور ومشغليهم ، بل وترفض استدعاءهم لسؤالهم عن الدافع وراء "كذبهم تحت القسم" ، هذه المحكمة لا يبدو أنها ستكون مهتمة بالإصغاء لقرائن نصرالله والتمحيص في وثائقه ، فلائحة الاتهام الظني التي أصدرتها اكتسبت الصفة القطعية على ما يبدو ، حتى أن البعض لا يستبعد أن يكون النطق بالحكم قد تم في "الغرف السوداء المغلقة".

حسن نصرالله كان يعرف مسبقاً ، أن المحكمة ستعطيه أذنا من طين وأخرى من عجين ، بيد أنه آثر مخاطبة الرأي العام اللبناني والعربي والإسلامي والعالمي ، في هجوم مضاد يستهدف الحفاظ على "صورة المقاومة" ناصعة ، غير ملوّثة بدماء الحريري ورفاقه ، وأحسب أن الرجل نجح في معركة الرأي العام وفي "استرداد" الصورة ، فقد ازددنا إعجابا باداء الحزب والمقاومة زمن السلم والحروب الباردة ، كما كنا معجين بأدائها زمن الحرب والمواجهات الساخنة.

وحده ، نفر قليل من فريق 14 آذار ، بات ليلته "مغموماً" ، هذه النفر سيتدثّر بالأسود "الفحمي" إن برّأت المحكمة ساحة حزب الله ، وسيغزو السواد عقله وضميره وروحه ، إن ثبت أن إسرائيل هي المسؤولة عن الجريمة.. هؤلاء بنوا منظومته السياسية والفكرية والحركية على فكرة "تورط سوريا أو بعض حلفائها" في الجريمة ، وكل بنيانهم سينهار لو أن أحداً عرف بسر "سنمّار" وحجره الأسطوري ، سيموتون كَمَداً إن تبين أن أحد حلفائهم السابقين (إسرائيل) أو اللاحقين (السلفية الجهادية من طراز فتح الإسلام) ، ضالع في الجريمة التي بنوا أمجاداً شخصية على أنقاضها وأشلاء ضحاياها.

أمس خرجوا علينا تباعاً ، الواحد تلو الآخر ، هذا يتحدث عن عرض متهافت وذاك يستذكر "أفلاماً جيمس بوندية" ، وثالث يتهم نصرالله بالتستر على الأدلة ومحاولة تضليل العدالة ، والغريب أن بعض هؤلاء هم من المتهمين بـ"فبركة" شهود الزور ، وبعضهم سبق العملاء المائة والخمسين الذين ألقي القبض عليهم في العامين الأخيرين ، بالعمالة لإسرائيل ، وبعضهم الثالث ، أبدى من قبل حماساً منقطع النظير في اتهام سوريا ، وهو يبدي اليوم حماساً أشد في تبرئة سوريا واتهام حزب الله.

سبحان الله ، ما كاد الأمين العام ينهي كلامه ، حتى طفقت "الاوركسترا الجنائزية" تعزف "لحن الرجوع الأخير" ، على إيقاع واحد ومن دون "تنشيز" ، لكأنهم تتلمذوا جميعاً على يد "مُشغّل" واحد؟،.