حرية الإعلام .. إلى الخلف در!
حين تصل نسبة الرقابة التي يمارسها الصحافيون على أنفسهم إلى 95.5 %، فإن ذلك يعني أن الإعلام الأردني يمر بأزمة حقيقية تستدعي أن نتوقف لدراستها.
وحين يؤكد تقرير حالة الحريات الإعلامية في الأردن للعام 2009 والذي أصدره مركز حماية وحرية الصحفيين أن 2 % من الصحافيين يصفون حالة الحريات بأنها ممتازة، فإن من المخجل أن نستمر بدفن رؤوسنا في الرمال ونكابر بالقول "إننا بخير".
نعم تعود حرية الإعلام خطوات إلى الوراء بدل أن تتقدم، وتذهب كل الوعود الحكومية بدعم حرية الإعلام أدراج الرياح.
المشهد الإعلامي يبدو محيراً في أسبابه، مزعجاً في النتائج التي وصل إليها، فالضغوط والمضايقات التي يتعرض لها الصحافيون ما تزال مستمرة حتى وصلت إلى 39 %، والتدخل الحكومي بالإعلام رغم كل الكلام الإيجابي يتصاعد حتى بلغ 73 %، والشكاوى بتجاوزات وانتهاكات لحقوق الصحافيين وخاصة حقهم في الوصول للمعلومات والتغطية المستقلة تزايدت بشكل لافت للانتباه.
لا تتحمل حكومة سمير الرفاعي مسؤولية هذه النتائج، فهي تعكس مؤشرات استطلاع رأي الصحافيين للعام 2009، ولكنها مطالبة الآن بدراسة حقيقية للمشكلات التي يتحدث عنها الصحافيون، ومطالبة بالشروع بورشة عمل تشخص الأزمة بشكل حقيقي لبناء حزمة إجراءات لتغيير الواقع الصعب الذي نمر فيه.
يخدع الرئيس الرفاعي إذا انطلى عليه الكلام الجميل الذي يصف وضع الإعلام بأنه "قمرة وربيع"، فالكلام عن حق الصحافيين في الحصول على المعلومات تفنده وترد عليه قصص ومعاناة الصحافيين، وبالأساس وقبل أن نتحدث عن هذا الحق ونطالب به؛ هل أنجزت الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها حفظ وتصنيف المعلومات وفقاً للمهلة التي حددها قانون ضمان حق الوصول للمعلومات قبل ثلاث سنوات.
الأرقام التي يظهرها التقرير عن المحاولات الحكومية وغير الحكومية لاحتواء الصحافيين عبر شراء ذممهم بأشكال مختلفة صادمة، والأكثر سوءاً النظرة السلبية التي يحملها الصحافيون عن بيئتهم ووسطهم، فـ 58.1 % يعتقدون أن بعض الصحافيين يمارسون الابتزاز للحصول على مكاسب مادية، 59 % يرون أن هناك من يكتبون أخباراً وتحقيقات مدفوعة الأجر، و57 % يقبلون الرشوة.
الضغوط والتدخلات أنتجت كثيراً من الصحافيين المدجنين الذين يطبقون القاعدة التي تقول "سكّن تسلم"، وخلقت قيادات إعلامية مسكونة بالخطوط الحمراء وتمارس الرقابة المسبقة أحياناً أكثر من الجهات الأمنية والحكومية، ولا تعمل من أجل استقلالية الإعلام وممارسة دوره الرقابي.
أكثر من مشكلة يطرحها التقرير على بساط البحث أبرزها الاستقلالية وتطوير المهنية وبالتأكيد جدية الحديث عن الإصلاح الإعلامي.
حين تتابع التفاصيل وتقرأ بتمعن تفاصيل الأرقام والدراسات في تقرير حالة الحريات، لن تتردد بأن تقول بأنها إلى الخلف در!.