حركة الشارع: البوصلة الصحيحة

حركة الشارع: البوصلة الصحيحة
الرابط المختصر

التصريحات الرسمية التي صدرت وتؤكّد حق الناس في التعبير السلمي والاحتجاج الحضاري على تدهور ظروفهم المعيشية، تمثّل عنواناً صحيحاً للعلاقة المطلوبة بين الدولة والمواطنين، وتصب في اتجاه مزدوج نسعى إليه جميعاً، أولاً صون الحريات العامة وحق الناس في التعبير والاحتجاج السلمي، وثانياً رفض العنف والاعتداء على الممتلكات العامة، بأيّة ذريعة كانت.

لقاء رئيس الوزراء وعدد من الوزراء المعنيين أمس برؤساء تحرير الصحف اليومية والكتّاب الصحافيين كان صريحاً وواضحاً، وتم الإقرار من خلال الحوار بأنّ هنالك حالة من الاحتقان وخيبة الأمل والضغوطات الاقتصادية الشديدة على الشريحة العامة من المجتمع.

المزاج الاجتماعي الحاد ليس وليد تحريض إعلامي، بل كل ما نمارسه نحن معشر الكتاب والمعارضة المنظمة، أنّنا نمارس شيئاً من "التنفيس" عن بعض هذه الاحتقانات، بنقل نبض الشارع للحكومة، وما تعانيه الشريحة الكبرى.
الحكومة، من جهتها، واضحة في أنّ ترحيل الأزمات وإرهاق موازنة الدولة بالعجز والمديونية سيدفع ثمنه الاقتصاد الوطني، والمواطن عاجلاً أم آجلاً، وأنّ الثمن في حال استمر مسلسل الهدر السابق سوف ندفعه بصورة مضاعفة غداً من استقرارنا السياسي والاجتماعي والأمني.

هذا صحيح، ولا أحد يريد للاقتصاد الوطني أن ينهار، لكن ما ندافع عنه دائماً أنّ الموازنة العامة ليست أرقاماً صمّاء، تقاس بمعادلة الضرائب بالدعم والنفقات، فهنالك معادلة سياسية- اجتماعية، واعتبارات إنسانية ووطنية لا بد أن تؤخذ بالاعتبار عند مناقشة السياسات المالية والاقتصادية في الدولة.

الجملة التي نردّدها ونكررها دائماً أنّ المواطن الأردني صبور، ولديه القدرة برغم ضيق ذات اليد، إذا لم يشعر بالظلم، وإذا كان ذلك في نهاية اليوم يخدم دولته واقتصاده الوطني. لكنه، أي المواطن، ليس مستعداً أن يدفع ثمن أخطاء متراكمة في المسار الاقتصادي، على مر السنوات السابقة، ولا أن يكون "كبش الفدا" لفساد وإثراء فاحش، لغياب آليات الرقابة والشفافية.

عند هذه النقطة، تحديداً، هنالك اتفاق على أنّ القلق الحقيقي الذي يستغرق الناس هو الفساد والنهب العام الذي حدث مع موارد الدولة وأموالها، خلال السنوات السابقة، وهو السبب الرئيس الذي يخلق الاحتقان والغضب لدى المواطنين، ويرهق المعادلة السياسية الحالية.

وإذا كنا نتحدث اليوم عن قضايا فساد معلنة أمام الرأي العام، وقد أعلن الرئيس بالأمس عن إبلاغة بنتائج أولية للتحقيق بقضية "موارد"، فإنّ هنالك ملفاً أكبر من هذا بكثير وهو السؤال الغائب "من أين لك هذا"؟!، فتح ملف "الإثراء غير المشروع" بالتوازي مع الانفتاح المطلوب بين الحكومة والمعارضة والنقابات ومنح الإعلام سلطة حقيقية في تخليق أجواء الحوار الوطني حول هذه القضايا، كل ذلك سيساهم في نقلنا جميعاً إلى مربع "الشراكة الوطنية"، التي تمثّل "وصفة استراتيجية" للمستقبل، لمواجهة الضغوط الاقتصادية، والأصوات المتطرفة، لا أن نكتفي بحلول "مسكّنة" ينتهي مفعولها بعد كل حادثة.

الشفافية والمصارحة والحريات العامة والانفتاح السياسي وبناء طاولات الحوار الوطني هي بمثابة صمام الأمان الحقيقي للدولة والمجتمع، وتصليب الجبهة الداخلية في مواجهة الأزمات الأخيرة التي تعصف بها.

التحدي الحقيقي في المرحلة المقبلة أن تكون حركة الشارع سلمية محترمة حضارية وفق القانون، وألا تغيب المعارضة القانونية عنها، وألا نسمح لأحد بالإساءة إلى مطالب الناس وصوتهم بحرف تلك التعبيرات نحو العنف والفوضى والإساءة للممتلكات العامة، فهي ملكنا جميعاً، ومن أموالنا وضرائبنا، وحمايتها واجب وطني على المعارضة والشارع قبل أن تكون على رجل الأمن والدركي.

الغد