حربنا الخاسرة ضد داعش

حربنا الخاسرة ضد داعش
الرابط المختصر

أسوأ ما يتعرض له الأردنيون، والعرب عموماً، أن يجري تخييرهم حين تُجرح كرامتهم الوطنية بين سلطةٍ فاشلةٍ في تحقيق العدالة والتنمية وبين تنظيم دموي وظلامي. ما أن يزول انفعالنا سنتذكر لحظتها أننا لا نملك بالأساس القدرة على الاختيار مطلقاً.

 

تستثمر الأجهزة الأمنية في الانفعال الصادق لدى كثيرين منا، وكل هذا التهييج والتجييش الإعلامي طوال شهر قبل اغتيال الشهيد معاذ الكساسبة كان تعبئةً لأناس مضطربين تعوزهم المعلومة وحرية التفكير من أجل إيصالهم إلى أعلى درجات التوتر تجعلهم في لحظة استقبال الخبر الصاعق عاجزين منساقين وراء خطابٍ يؤجج مشاعرهم الجمعية باتجاه عدوٍ ما، ولانعدام آليات الحكْم العادل، فإن الأمن وحده من يدير الجغرافيا والبشر ومصائرهم.

 

لا يتنبه المواطن لفرط حزنه أن المسؤولين المتهمين بالفساد والتقصير هم أنفسهم من يزعمون عبر شاشات التلفزة وأثير الإذاعات تصديهم للإرهاب، بل أن هؤلاء تحديداً سيقودون البلاد والعباد في هذه المرحلة العصيبة؛ هم أمامنا بنفاقهم وريائهم ونحن وراؤهم بخوفنا وغياب المعرفة.

 

تتناسى هذه النخبة أنها أخفقت في اختبارات أبسط، وأن ثرثرتها عقوداً ماضية لم تحلّ الأزمات، إنما فاقمتها، ولا زلنا نواجه الفقر والبطالة والفساد وغياب منظومة الرقابة والشفافية وديمقراطية مشوهة وخللاً فادحاً في توزيع الثروات، ولا أظن أن استبدالها بنخبة كفوءة ونظيفة لمواجهة المتغيرات الحالية يبدو أمراً عملياً وقابلاً للتطبيق.

 

ويخرج نوّاب لا يمثلون الشعب ليبصموا على التوجهات الرسمية بالقول مثلاً إن إخراج محمد المقدسي، هو قرار صائب، ونحن نعلم جميعاً أنه لو طُلب منهم في اليوم التالي تبرير اعتقاله سيفعلون.

 

رموز السلفية الجهادية يتزاحمون على الظهور عبر وسائل الإعلام المحلية، التي تحتفي باستنكارهم لجريمة اغتيال الشهيد، لكنها بالمقابل تمرر اعترافهم بشرعية "الدولة الإسلامية" وتمجيد بطولات مجاهديها وتاريخهم، وإلى جوار منظّري هذا التيار، وفي محاولة يائسة للتنافس معهم، يتقدم مشايخ السلطة لاستنكار التطرف بخطاب ولغة ينتميان إلى القرن الرابع الهجري ليتبدى لنا أن خلاف الفريقين (السلفيين والمؤسسة الدينية الرسمية) مع داعش مجرد اختلاف فقهي!

 

الزعم أن أجواء التعددية والحرية تسمح بتواجد هذه التيارات يصبح نكتة ممجوجة حين تقع المكاشفة ذات يوم، ونرى أن هذه التعددية كانت غطاءً يستر العنف المزروع في دواخلنا، والأسلحة التي أخفيناها تحت ثيابنا ردحاً من الزمن.

 

المفارقة المؤسفة أن رسالة عمان جرى إنتاجها بنسختين؛ الأولى من صنع كهنوت النظام، وهي تكفّر ضمناً –بحسب نصها- الدروز والعلويين والإسماعليين والمسيحيين واليهود وطوائف وأفكار أخرى، والثانية تحمل الاسم ذاته وهي من تأليف المقدسي، ويضيف فقط فيها الشيعة والزيدية وبعض السنة إلى قوائم التكفير، وبالطبع فإن رسالته لم تعد "مؤثرة" مقارنةً برسائل إخوته في داعش.

 

تصغر الدولة كثيراً حين تّروّج خطاباً متعصباً وظلامياً وغيبياً يخصّ مصالح فئة ضيقة بعينها، ولا يصلح إلاّ لخوض غزوات طوائفٍ ومذاهب، ولا يعبّر عن حرب دولة وطنية ضد عدوٍ واضح، وباستراتيجية وأهداف بيّنة ومحددة.

 

أصحاب الخطاب المتعصب وشركاؤهم من الفاسدين والمقصرّين والأميين في نادي الحكم هم، وليسوا غيرهم، من يقومون بتعبئتنا وطنياً في معركتنا الخارجية، والأدهى والأمر أنهم يعلنون قيادة معركة الداخل المتمثلة بمقارعة قوى التشدد عبر تجديد الخطاب الديني والتعليم، فهل يُصدّق أن ينقلب هؤلاء على أنفسهم؟

 

أثبتت المتغيرات الراهنة أن التعليم في الأردن، والدول العربية، يشكّل منظومة متكاملة للسيطرة عبر تخريج أجيال هشة؛ معرفياً وأخلاقياً، ولا تؤمن بالدولة والقانون، إنما تنخرط في أجهزة الدولة لاعتبارات مصلحية ومنافع شخصية، وقد تنعدم هذه المصالح والمنافع فيلتحق 2000 مواطنٍ أردني بتنظيم الدولة خلال العامين الماضيين.

 

العقل الأمني يدير حرباً خاسرة بأدواته الفاسدة والمجرّبة ضد عدونا وعدو الإنسانية جمعاء، داعش، خاصةً إذا لم يحدد متى وكيف ستنتهي هذه الحرب؛ ولو افترضنا جدلاً أنهم كسبوها، فعلينا أن نتقبّل انتصاراً يمحو فسادهم وإخفاقهم وأميّتهم ويحولهم أبطالاً فوق جروحنا وآلامنا.

 

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.