حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان

حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان
الرابط المختصر

شهر رمضان الذي "أُنْزِل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" على الأبواب; وثلاثة هم المؤمن المشتاق إلى الصوم, والتاجر المتجر بقوت الصائم, والمرشح النيابي, ينتظرونه على أحر من جمر; بل على أحر من جمر الغلاء.. الغلاء الذي يرقب قادته رؤية "هلاله" في شغف, ومن جمر الحملات الانتخابية, فإنَّ كثيرا من نتائج المعركة الانتخابية سيُنْزَل في هذا الشهر الفضيل, والذي هو خير زمان لإظهار وتأكيد ارتفاع المنسوب الأخلاقي للانتخابات النيابية المقبلة, وتبرؤنا من ثلاثية الراشي والمرتشي والرائش!

الحكومة التي تجشمت أمر أن تكون العين الساهرة على النظافة الأخلاقية لأساليب ووسائل الفوز الانتخابي بدت مهتمة بتثبيت أسعار بعض السلع التي تشتد حاجة الصائمين إليها, وبأن تدرأ عنها جشع المتجرين بهذه السلع, وهم فئة "ضالة" من التجار, مُفْرِطة في حبها للغلاء وثماره الطيبة, مُفَرِّطة في ما ينبغي لها أن تُظْهِر في هذا الشهر من مشاعر الرحمة والرأفة..

نتمنى على الحكومة (ما دام للوهم سلطان علينا) أن تدرك الأهمية الانتخابية القصوى لشهر رمضان الذي فيه ستنطلق, وتحتدم, وإن سرا, الحملات الانتخابية, فتضرب بيد من حديد (على ما نتوهم أيضا) الحلف السري بين التجار والمرشحين, فإنَّ الغلاء يمكن أن يصيب بالرخص أغلى ما نملك, فتزدهر السوق الانتخابية السوداء, التي قد تتخذ من موائد الرحمان, وأشباهها, ومن مال الخير والرحمة, ومن البر والإحسان والتصدُّق,.. حجابا لها, فيكثر أمثال خزيمة بن بشر إذ ظل منتظرا الليل لعله يأتيه بسليمان بن عبد الملك!

لو رخَّصت الحكومة, في رمضان, الأسعار التي بغلائها يرخص الإنسان, لأقامت الدليل الأول على أنها صادقة في عزمها أن تجرد سيفها على المال السياسي (الانتخابي الآن) وعلى ما يملك من نفوذ وسلطان; وصادقة في توعدها المشتغلين بتجارة تأليف قلوب الناخبين بالمال الحلال, نقدا أو عينا, أشد توعد, فثلاثية الراشي والمرتشي والرائش يمكن أن تتخذ من رمضان الحار غلاء, والذي يغشاه ضباب ديني وإنساني كثيف, شهرا لرواجها وازدهارها.

رمضان, شهر الصوم والعبادة, يجب (و"يجب" نقولها للحكومة في المقام الأول) أن يُحال بينه وبين الحملات الانتخابية (السرية) فالإنفاق مما نحب يجب ألا يحيد عن غايته, وهي نيل البر, وألا يكون, بالتالي, من أجل نيل الأصوات, وحمل الفقراء من الصائمين على التفريط في مبدأ "صوتك أمانة", والتصويت باكرا للمرشحين المُحْسنين, المُحَسَّنين أخلاقيا, والذين سيكثرون ويتكاثرون في هذا الشهر, مقيمين الدليل على أنهم لن يحيدوا عن إيمانهم بالنيابة تشريفا لا تكليفا, وعلى أن ما يبتغونه ليس مرضاة الشعب, وإنما "حلية أو متاع زبد مثله".

في هذا الشهر الفضيل سنرى, بعيون لا تغشاها أوهام, "الفضلاء" من التجار والمرشحين النيابيين! .

في الأسواق التي يقصدها الفقراء من الصائمين, أي أصدق الصائمين صوما وتدينا, لن نرى من شهر الصيام إلا ما يجعله شهرا لتجويع الصائمين الفقراء, والسطو على قروشهم; وسنرى من إيمان التجار المجاهدين في سبيل الغلاء ما يندى له الجبين, وتقشعر له الأبدان, فهم يصومون, ويصلون, ويتعبدون, وكأن غايتهم.

المتجرون بقوت الصائم الفقير سيتوفرون على رفع درجة حرارة الأسعار في رمضان الحار, وكأن الحكومة بسيفها ووعيدها نمر من ورق; وسوف تنزل نار الأسعار بردا وسلاما على المرشحين النيابيين الذين تحملهم مصالحهم الانتخابية على طلب مزيد من الغلاء, فكلما غلت الأسعار اشتدت صعوبة تمييز المال السياسي من مال البر والإحسان والتصدق,.. واشتدت معها صعوبة تمييز الرشوة, التي تعد الآن جريمة انتخابية, من فضيلة الإحسان; وكلما زادوا من انفاق المال السياسي, تأليفا لقلوب الناخبين, سارع التجار إلى موازنة هذا الاشتداد في الطلب بمزيد من الغلاء.

وقد نسمع بعض الصائمين الفقراء يلعنون نظام الصوت الواحد; لأنه حال بينهم وبين بيع مزيد من أصواتهم, وقلص حجم السوق بالتالي.

لقد فصَّلوا لنا, و"أبدعوا", قانونا انتخابيا, ستثبت وتتأكد صلاحيته الحقيقية في شهر رمضان حيث تجتمع على الصائمين الفقراء عصا الغلاء في يد التاجر وجزرة الإحسان في يد المرشح, فيكتشف الناخب أن مبدأ "صوتك أمانة" ليس سوى خرافة انتخابية; وكيف له أن يكون غير ذلك مع اجتماع فقر الناخب والفقر السياسي للمرشح?!.