حديث مواطن صافن تماماً
يثير الحديث حول "الكيان الوظيفي" هوجةً وطنيةً مفعمةً بالمواقف التكفيرية والانفعالات النفسية، التي يتشارك بإصدارها المعارض والموالي على حد سواء. في حين لا يلاحظ أحد، من هؤلاء وأولئك المنغمسين بالحالة الأردنية، التي تحتكر الأعاجيب العصرية والمعجزات التاريخية، أن الدولة طالبتنا بتقديم آيات الشكر والولاء لثلاثة عقود لأنها كانت مشغولة في التفكير بما يسمى بـ"الدور الأردني"، وصرفت نحو عقد ونصف العقد تتحدث عنه علناً وصراحة، كاستثمار تاريخي قد يحول البلد إلى قوة عالمية عظمى، أو أنه سيضمن، على الأقل، لمواطنيها حياة رغيدة، وعيشاً مترفاً.
ثم ما حال عقولنا، وما حالنا إذا ما أنكرنا وجود الدور الوظيفي، وتجاهلنا ثمنه الباهظ،، وأسقطناه من محاولاتنا لتفسير وجود دولتنا مستقرة في بنية نعيش على خلخلتها. وما الذي يتبقى من هذه الدولة إن لم تكن كذلك؟ وهي في واقع الأمر لا تفعل شيئاً سوى سحب المكتسبات التي بنيناها لأجلها. ولأننا استثمرنا فيها وطناً. ماذا تفعل غير أن تسحب المكتسبات التي تشتريها الدول الأخرى، ومنها العظمى، وتجعل من الإنسان الشارد في الصحراء مواطناً في دولة، لها خارطة وعلم وحكومة.
لا صحة، ولا تعليم، ولا سكن!
والعمل أصبح حقاً غير منصوص عليه في وثيقة حقوق الإنسان. بل مجرد مكرمة لمن "يستحقها"، أما بقية الحقوق في الوثيقة الدولية فهي مجرد أحكام عامة يمكن للحكومة أن تتصرف بها، وتحدد طريقة التعامل معها، بالأسلوب الذي يناسبها. لا، بل ويمكنها أن توكل هذه المهمة لأي شركة اتصالات بترخيص لمالك "فيه خير"، ويشده رابط من "صلة رحم".
هذه بلادنا ونعرفها، ولا تعكر معرفتنا بها حبنا لها!
ورغم أن حبها ميؤوس منه، إلا أنه كان لطيفاً للغاية أن ألمح أن مانشيتات الصحف الأردنية، في أحد أيام هذا الأسبوع، أبرزت في صدر صفحاتها الأولى تصريحاً، أظنه لأخٍ عربي من غرب أو جنوب أفريقيا، ويبدو أنه مهاجر أردني قديم بدليل اسم عائلته، ويقول فيه أن "الأردن دولة مدنية تسير نحو الديمقراطية"!
بالطبع لن أبلغ من الحمق لدرجة أن أسأل الصحف عن حاجتها لإبراز هذه التصريحات.
ولكنني سأتساءل عن حاجة هذا الأخ المغترب، الذي يؤكد جاري أنه مقيم أردني قديم في رواندا، إلى اطلاق مثل هذه التصريحات، التي تضعه تحت طائلة الشك والريبة الرسمية والشعبية على حد سواء، والتي قد تثير عليه، كذلك، بعض مؤسسات الصحة النفسية!
ما الذي تفعله دولتنا غير رفع الأسعار وفرض الضرائب وسحب الحقوق، والنداءات الوطنية والتجييش العاطفي الذي يقودنا إلى تأدية دور، ندفع ثمنه نحن لا الحكومة، لحساب تحالف دولي، هنا أو هناك.
أسفي على الأخ إياه، الذي أعتقدت لوهلة أنه رئيس حكومتنا!
- ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.