جولة في عقل الحكومة

جولة في عقل الحكومة
الرابط المختصر

وفرّ لنا لقاءا رئيس الوزراء مع مجلس الأعيان ووزير الداخلية مع لجنة الحريات النيابية، فرصة لإجراء «جولة في عقل الحكومة»، قد تساعدنا في فهم ما استعصى فهمه عن «مغاليق» التوجهات الحكومية... وهو استعصاء كنا نظن أن «العامّة من الناس» وحدهم من يشكون منه، فإذا بالمجلس يشكو هو الآخر، كما اتضح لنا بعد قراءة كلمة رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري بالأمس.

لقد أطلق دولته – رئيس الحكومة – صيحة النصر من على منبر مجلس الأمة، إذ قال حرفيا: «لقد مثّل يوم الجمعة الماضي، هزيمة سياسية وتاريخية للجهة التي أرادت أن تحشد وأن تظهر أن الأردن غير مستقر»، في تلميح لشباب 15 تموز ومن يقف وراءهم (الإخوان المسلمون)، من أن الحكومة وأذرعتها والمحسوبين عليها، هم من قاموا بأوسع عمليات التحشيد والتوتير والتحريض واللعب على حواف «الخطوط الحمراء»، والمقامرة بثوابت الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

وما قاله الرئيس تلميحاً، كشف عنه وزير الداخليه تصريحاً، عندما تحدث عندما جرى في ساحة النخيل، مصوّراً الساحة كما لو كانت ميدان حرب واشتباك ومسرح لعمليات دامية، هدفها الانتقال بالحراك الشبابي والشعبي من مرحلة المطالبة بإلاصلاح إلى مرحلة الدعوة للاسقاط، ما عُدَّ من وجهة نظر حكومته، مبرراً كافياً للانقضاض على المعتصمين وتكسير أطراف الشهود من صحفيين وإعلاميين.

والحقيقة أن القراءة المدققة في كلمات كثير من الأعيان وبيان لجنة الحريات وتصريحات أعضائها، توحي بأن خطاب الحكومة عجز عن إقناع الحلقة الأقرب لها من سياسيي الأردن - النواب والأعيان - إذ مقابل القول بأن الحكومة تمتلك رؤية واضحة للإصلاح وبرنامجا زمنيا مُلزما، كان رئيس الأعيان يجاهر بالشكوى من أن «مجلس الأعيان بشكل عام لا يعرف بالتوجهات الحكومية»، وكان عضو المجلس كمال ناصر يحاجج بأن لا غالب ولا مغلوب في معركة الإصلاح، لا منتصر ولا مهزوم، فيما بدا لي أنه تعقيب على «صيحات النصر»... حتى أن رجلاً بموقع عبدالرؤوف الروابدة، بما يمثل، لم يجد بُداً من التصريح بأولوية «التحدي السياسي»، ونقل شكوى المواطنين، عن بطء عملية الإصلاح أو تباطؤها، فيما يبدو أنه تبنٍ لها، وتحدث آخرون عن القلق وانهيار تلفزيون الحكومة وغير ذلك مما يصب في الاتجاه نفسه.

في المقابل، كانت لجنة الحريات النيابية تدين الاعتداء على الصحفيين وحرية الرأي والتعبير، وتسجل ما «شاهدناه على شاشات التلفاز على الحكومة وليس لها»، متسائلة حول جدية الحكومة بالإصلاح... لكأني بأعضائها لم يأخذوا بأطروحة الوزير ومحاججاته.

إذا كانت الحكومة غير قادرة على إقناع الأعيان الذين كادت وظيفتهم التاريخية تُختصر في توفير «شبكة أمان» للحكومات المتعاقبة... وإذا كانت الحكومة لم تفلح رغم ضجيج اللغة والمفردات والتهويل والتضخيم و»أوامر العمليات» و»التعليمات»، في إقناع مجلس نيابي قيل ما قيل في شأن تبعيته للحكومة، فكيف يمكن لها أن تنجح في إقناع الشارع والاستجابة لمطالبه، وشق طريق سياسي، يفضي إلى مجابهة «التحدي السياسي» الذي تحدث عنه الروابدة.

والحقيقة أن خطاب الحكومة يردُّ بعضه على بعضه الآخر، ويكشف أوله عن «تهافت» آخره... فرئيس الوزراء الذي يبشر بـ»وثبة جريئة» على طريق الإصلاح، هذا العام، فإن خطابه نفسه، قد حمل «أفضل تفنيد» لهذه «البُشرى»...يقول الرئيس: « تمكنّا في مرحلة سابقة من الفصل ما بين أصحاب المطالب السياسية والمطالب الحياتية، وهمّشنا أصحاب المطالب السياسية ولكنهم عادوا في ظل الظروف الراهنة من جديد».... أنظروا كيف يجري الفصل التعسفي بين مطالب الناس الحياتية والسياسية، لكأن جوع الناس وفقرهم وبطالتهم وضيقهم، ليس سياسة في سياسة، أو لكأن السياسة ليست تعبيراً مكثفاً عن الاقتصاد؟!.

ولا أدري بعد ذلك، بعد خطاب التهميش و»إلحاق الهزيمة السياسية والتاريخية»، كيف يمكن الحديث عن «حوار مع المعارضة»... لا أدري كيف يمكن الحديث عن الإصلاح السياسي فيما الحكومة تصب جام غضبها على «أصحاب المطالب السياسية»... لا أدري أي معنى يبقى للحديث عن «حوار مع كل شرائح ومكونات المجتمع الأردني» فيما الحكومة تُخرج العاصمة – نصف الوطن - من دائرة رحمتها ورعايتها، لتعد بالتركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المحافظات من أجل محاربة الفقر والبطالة، لكأن عمان جميعها تختصر بغربها، أو لكأنها مدينة أُعلنت منطقة خالية من الفقر والبطالة والجوع والحرمان؟!.

أما عن تبرير الاعتداءات على الصحفيين والإعلاميين في ساحة النخيل، فإن ما قيل على لسان الرئيس ووزير الداخلية ، يجعلنا أكثر اقتناعاً بما ذهبنا إليه منذ اليوم الأول، وهو أن هذا الاعتداء قد دُبّر بليل، وأن التحضير كان جاريا على قدم وساق، لإلحاق «الهزيمة التاريخية» باللائذين بالدوّار من شبان وشابات، ومن يقف وراءهم من شيوخ وجهات و»أجندات»... أليس هذا ما قالوه تصريحاً وتلميحاً؟!.

الدستور