جمال خاشقجي شهيد الإعلام المستقل
نشرت صحيفة العربي الجديد كاريكاتيرا للرسام الأردني عماد حجاج يظهر رجلا بدون ملامح وجهه ويلبس كوفية حمراء وبيضاء ويحرك عباء بنية اللون، وكأنه يقوم بعملية سحرية.
ومن خلال حركته تتطاير الأوراق من حوله. وفي أسفل الكاريكاتير نرى رجلا آخرا مرتديا قميصا أبيضا وهو يمد يده في محاولة يائسة للبقاء بعد أن فقد القلم والميكرفون. النص يقول إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي."
ورغم ان الكاريكاتير يسمى الضحية فإنه لا يذكر اسم المنفذ. لا شك أن أي عربي أو اي شخص اخر- يعرف من هو المسؤول عن اختفاء جمال خاشقجي وهو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولكن حقيقة أن رسام كاريكاتير معروف اضطر إلى إخفاء ملامح المسؤول مما يعكس الخوف الذي يواجهه الصحفيين المستقلين في العالم العربي. فاختفاء جمال خاشقجي عمق تلك التخوفات.
للعالم العربي تاريخ طويل بقيام الحكومات بمكافأة الصحفيين الذين يسيرون حسب رغبات الحكام ومعاقبة امثال الخاشقجي الذين يتجرأون على قول الحقيقة لمن هم في السلطة.
فمنذ فشل ثورات الربيع العربي (باستثناء تونس وهي قصة نجاح) فإن المواطنين العرب وجدوا أنفسهم في حيرة للخيار ما بين انظمة اسلامية متطرفة أو أنظمة عسكرية وأي محاولة إيجاد بدائل ديمقراطية قد تم وأدها بصورة منظمة.
إن محاولات تلطيخ سمعة الصحفيين او تحديد عملهم او اسكاتهم مباشرة هي من أدوات القمع. فالحكومات الشمولية تسن قوانين وانظمة لحماية انفسهم ومن في فلكهم من الكشف عن حقيقتهم من قبل الصحافة المستقلة. يدعون أن فقط الصحفيون الذين يحصلون على رواتب منهم ويمدحونهم هم الاعلاميون الشرعيون واي صحفي آخر هو عدو للدولة.
هذا التصرف ليس محصوراً لدى الحكومات الشمولية. فحتى في الولايات المتحدة والتي ينظر إليها الكثيرون كمصدر الهام بسبب التعديل الأول للدستور الأمريكي ووجود صحفيين استقصائيين أقوياء نجحوا في إسقاط رؤساء. فالرئيس دونالد ترمب يهاجم بصورة روتينية صحفييون مستقلون ناعتا اياهم بالخونة والعملاء وكتاب الاخبار الكاذبة.
قد يحاول ترمب ارضاء الجناح اليميني من اتباعه كما ويحاول التهرب من تحمل مسؤولية أعماله واخطاءه الا ان تهجمه على الصحافة الامريكية وصمته على الاعتداءات ضد الصحفيين قد شجع في تبرير الهجوم والإساءة للصحفيين في انحاء العالم.
لا يفيد أن العديد من اعداء الصحافية المستقلة بما فيهم السعودية هم من أقرب الحلفاء لأمريكا. فترمب أظهر بوضوح أنه يفضل العقود لشراء المعدات العسكرية على الدفاع عن حقوق الإنسان. صحيح انه قال انه سيكون "غاضبا" في حال تبين ان السعودية تقف وراء مقتل الصحفي خاشقجي ولكنه في نفس الوقت أكد انه لن يقوم بالغاء اي صفقة أسلحة مع السعودية.
كما وتعتبر تركيا وهي حليفة أمريكا في الناتو، اكثر دولة في العالم من حيث عددالصحفيين المعتقلين ولكن ادارة ترمب كانت مهتمة فقط باعتقال القس الأمريكي (والذي اطلق سراحه) لإرضاء اليمين المسيحي بما في ذلك نائب الرئيس مايك بنس.
فالسلطات الأمريكية مثلا لم تقل شيئا بخصوص مراسل الجزيرة المعتقل بدون محاكمة في مصر ولمدة سنتان. كما ولم تعلق الادارة الأمريكية على حقيقة محاكمة دولة الإمارات العربية المتحدة على الصحفي الأردني تيسير النجار لمدة ثلاث سنوات وغرامة 500 ألف دينار إماراتي (136 الف دولار امريكي) بسبب تغريدة على موقع فيسبوك. وحتى بعض الدول والتي ليست حليقة مثل مينامار والتي حكمت على صحفيين من رويترز لمدة سبع سنوات لم تعلق الولايات المتحدة على ذلك.
يعتبر الصحفيون المستقلون أن هدفهم واحد وهو البحث عن الحقيقة ونشرها بأوسع الطرق. وعندما تقوم الحكومات بقمع هؤلاء الصحفيين بدون رادع وعندما يتم التنازل عن مبادئ حقوق الانسان لاسباب حزبية ضيقة فإن الحقيقة تبقى خفية مع افلات من العقاب للمعتدين على حرية التعبير.
لقد عرفت الصحفي جمال خاشقجي لسنوات بصفته المهنية وبصورة شخصية فهو صحفي سعودي وطني لا يعارض نظام الحكم الملكي في بلده ولكنه يعارض بعض السياسات مثل الحرب غير الانسانية في اليمن وكيفية تعامل الحكام السعوديين مع المعارضة. ولكن كل حججه كانت مبنية على الحقائق فهو ليس منشق او متمرد بل هو معارض مؤيد للحكم الملكي ولكنه يريده ان يكون افضل. والآن يبدو أنه دفع حياته ثمن مواقفه.
بالنسبة للمناضلين العرب دفاعا عن حريتهم يبقى الطريق طويل ومليء بالصعوبات الأمر الذي يتطلب تضحيات من ابطال حقيقيين يطالبون بديمقراطية حقيقية تسمح لرسامي كاريكاتير مثل عماد حجاج وغيره من الإعلاميين الحديث بصراحة وصدق أمام الحكام من خلال نضالهم لحقوق الإنسان وحرية التعبير. فعلا انه امرا غير منطقي ان نذهب للمعركة دون دعم من قبل من كان من المفترض ان يحمينا.
- المصدر project syndicate