جريمة مزدوجة

جريمة مزدوجة
الرابط المختصر

«الاختباء خلف الملك»، لعبة أتقنتها الحكومات ، لتسويق وتسويغ ما لا يمكن تسويقه وتسويغه من فشل ومراوحة، قصور وتقصير...ودَرَجَ العُرف السياسي الأردني، على التعامل مع بعض الأشخاص و»الحركات» بوصفها قنوات الصلة والتواصل مع «المرجعيات» وأدوات التعبير عن وجهتها وتوجهاتها...هناك أسماء في عالم السياسة المحلية عُرفت، أو تفضّل أن تعرّف نفسها، على أنها محسوبة على هذه «المرجعيات»...ثمة حركات بالعيون والحواجب والأصابع، ومصطلحات من نوع «المعلم» و»من فوق» تقال عادة لحسم الموقف وإنهاء الجدل وقطع الشك باليقين...وعندما تصدر الحركات وتندرج المصطلحات على ألسنة هؤلاء المحسوببين على المرجعيات التي أشرنا إليها، تحدث الطامة الكبرى...تُطرح أرضاً، وبالضربة القاضية الفنيّة، كما يقال في لغة الملاكمة أو المصارعة، لا أدري، لا يعود لديك ما تقوله أو تجادل به، لقد «قطعت جهيزة قول كل خطيب».

لقد ضقنا بهذه الأعراف والتقاليد ...لم نعد نحب أن نلتقي بـ»جهينة» التي تتوافر دائما على الخبر اليقين...حتى الملك، اضطر للبوح أمام النواب بنفاذ صبره حيال ما يصله من تقارير ومعلومات عن الاستخدام المسيء لموقعه ومكانته، خدمة لمآرب وأغراض لا علاقة له أو للصالح العام بها...وقد أعلن براءته منها ومن الذين أكثروا من اللجوء إليها من دون علمه، وغالباً بصورة تسيء إليه وللبلاد والعباد...ودعا النواب، ومن خلفهم كل الأردنيين، للتمرد على هذه الظاهرة ونبذ أصحابها والمشتغلين بها والمنتفعين من «سطوتها».

الساعون لاختطاف «المرجعيات» وتجييرها، تكاثروا واتسعت دائرتهم في الأحداث الأخيرة...ويبدو أن منسوب «الجرأة» لدى هؤلاء ارتفع مؤخراً بشكل ملحوظ وغير مسبوق...ألم تروا «البلطجية» في الشوارع والميادين، يرفعون الرايات الأردنية وصور جلالة الملك...من الذي أوحى لهم بهذا...من الذي نسخ وصور ووزع واشترى ونقل وموّل وموّن حملاتهم و»غزواتهم»...أليسوا هم الذين اعتادوا التطلي خلف العلم والصورة، قبل أن ينتقلوا إلى مرحلة «الاختطاف» و»التجيير» ؟!.

لماذا يزج بالملك في الانقسام السياسي والمجتمعي في البلاد... ومن الذي يقيم هذا الربط بين صوره وأقواله من جهة وتحركات فريق من الأردنيين من جهة ثانية...ولماذا الصمت على تلطي «البلطجية» خلف صور الملك وأقواله...الصمت هنا تقصير، وفي أسوأ القراءات تواطؤ بيّنٌ...أليست هذه الجنح والجرائم أشد ضرراً من «جريمة إطالة اللسان»... الذي بت افضل تفعيله الآن، وللمرة الأخيرة، لاجتثاث ظاهرة «البلطجية» وإسقاط محاولات «شرعنتها»...وطالما أن الملك أدان بالفم الملآن عنف الشوارع والميادين و»الدواوير»، فلماذا لا يجري «تجريم» من يختبئ خلف صوره من هؤلاء.

أقترح على الجهات ذات الصلة، أن تتمنى على المتظاهرين والمحتجين أو تُلزمهم، بألأ يرفعوا صور الملك، أياً كانت مواقفهم ومواقعهم..معارضة أو موالاة...فطالما أننا جميعاً نريد نظاماً ملكياً، بمن فينا أكثر المعارضات «تطرفاً» التي تدعو لملكية دستورية، أو ملكية برلمانية (نيابية)، فالنتفق جميعاً على «تحييد»الملك وتجنب الاختباءبه وادعاء تمثيله والنطق باسمه والتعبير عن مكنونات صدره...لننطق بأسمائنا ولنعبّر عمّا يجول في عقولنا ونخرج ما يجيش في صدورنا، دون نسبته لأحد...لا أكثر ولا أقل.

يبدو أن البعض (قوى الشد العكسي، أعداء الإصلاح والتغيير) ، استمرأ هذه اللعبة وطرب لهذه الممارسات، وانتشى بصور الذين يلوحون بهرواتهم وسيوفهم و»جنازيهم»، وفي بعض المناطق والأحيان، ببنادقهم ورشاشاتهم...ربما يكون فكّر للحظة، بأن خلق «اشتباك أهلي» بين مؤيد ومعارض، سيخفف عبء مواجهة الشارع عن كاهله...ربما أراد الاطمئنان لرديف «ميليشياوي» يرفع عنه عناء التفكير والتدبير في البحث عن حلول ومخارج...ربما أراد التخويف وبث الرعب، في صفوف الناس والنظام على حد سواء...ربما أراد إظهار الإصلاحيين كخارجين على القانون...ربما أراد استخدام هذه الرموز والمرجعيات للتعبئة والتحشيد...ربما شعر بالإفلاس ولم يعد لديه من أوراق سوى هذه ليلعب بها...ربما وربما وربما.

لكن الأمر المؤكد، أن ليس من مصلحة العرش والأردن والأردنيين جميعاً، ليس من الصالح العام في شيء، الزج بهذه المرجعيات في لعبة الانقسام الداخلي...أما السماح لـ»البلطجية» بالاختباء خلف هذه الصور والرموز للتغطية على أفعالهم النكراء، فتلك جريمة مزدوجة يعاقب عليها القانون، ونقول مزدوجة لأن «البلطجة» و»الاختباء» هما فعلان جُرميان يحاسب عليهما القانون.

الدستور