جدائل من ذهب

جدائل من ذهب
الرابط المختصر

اجدّل شعرها الذهبي ، والحمام البري ، عند النافذة ، يلتقط ما تبقى في كفي من حبات القمح ، واقبّل جبينها كشمس بين يدي ، وتصهل قريبا مني كل فجر جمعة.

ما زالت حافلة المدرسة تأتي كل صباح ، وتقف بانتظارها ، صديقاتها صرن صبيات في الرابعة عشرة من العمر ، ينتظرن خروجها ، فلا تخرج ، ارسل اليهن ياسمينا ، ونرجسا ، فقد كانت تعشق النرجس ، ووجدته مزروعا في خزانتها ، التي قلبتها قبل يومين ، ها هي فساتينها ، كما هي ، وباقة من نرجس ، في كل زاوية ، من غرفتها ، من يسقي النرجس هنا ، سؤال بقي يتردد.

يطرق المطر بقوة نافذتي ، وأسال هل ما زال الشتاء بيننا ، اصحو من نومي واتأمل شروق الشمس ، المطر يتساقط بقوة ، والسماء بلا غيم ، ربما لانها رحلت ذات يوم ممطر ، فصار العام كله شتاءً ، ما زلت اذكر يوم رحيلها فقد انهمر المطر بقوة ، وحين توديعها توقف المطر وكأنه يسمح للمودعين اتمام مراسمهم ، وما ان انتهوا حتى عاد بقوة اكثر.

اعشق الورد ، غير اني اعشقها اكثر ، لانها ام الورد ، وفيهما سر واحد. الجمال ، والرقة ، وانثناء العنق ، وسرعة الرحيل ، وكلما ارى وردا في حديقة اسقيه ، واقول له ان النرجس مليكتك ، وان "ساجدة" ملكة النرجس ، حتى صبرها النبيل ، لم يكن بشرياً ، ولمعة عينيها لمعة سماوية ، وفي يمينها غيمة بيضاء ، وفي يسراها البرق والثلج.

اجدّل شعرها الذهبي ، وتستعجلني لان الحافلة تطلق العنان لبوقها عند باب المنزل ، وتقول لي انها لن تتأخر ، فأرد عليها بأدب جم ، انا الذي لن يتأخر يا عزيزتي ، فتفصل بالكلام قولا وتجيب انا معك وانت معي ، فتعطيني خصلة من شعرها الاشقر ، ما زلت احتفظ بها وسط القرآن حتى يومي هذا ، وكلما فتحته لاقرأ الفاتحة ، اراه حروفا من حروف الفاتحة ، فأشّمه وكأنها ما زالت هنا.

يسقط المطر بقوة ، وفي حضني كواكب درّية ، وفي يدي سر تعرفه هي ، تبتسم كقمر في اكتماله ، وتصهل كحرف ليس من الابجدية ، حين اقول للمطر ان يبلغها ان السفر قد طال ، وان الرحلة طويلة ، والعطش شديد ، والزاد قليل ، والصحراء بلا نهاية ، فيحمل لي الغيم الجواب ويقول على لسانها ، سفرك ليس كغيرك ، وبعد الصحراء ، نبع وخيل وسيف وتتويج.

انت انت ، تقولها وكأنها تقول لا يصح ان تكون غيرك. انت انت. وهي تعرف سر الانا ، اجدّل شعرها الذهبي للمرة الرابعة ، وينثر علي من نوره ما يُبدد ظلمتي ، تقول لي مجددا تأخرت عن الحافلة ، وصديقاتي في الرابعة عشرة من عمرهن ، وانا تركتهن وانا في الحادية عشرة ، وبودي رؤية الصبا وقد ارتسم على وجه كل واحدة.

تتركني ملكة النرجس ، لتسقي كل النرجس في الدنيا ، وبيدها ابريق من فضة ، وماء من يثرب ينساب من يديها ، فيصحو النرجس من غيبته ، وتتمايل اعناقه ، امامها ، واسمع من بعيد صوت الماء المنساب من قلبها ، يغسل قلبي ، وُيجلي النور فيه ، فيتجلى ، بعد طول غياب ، واسألها من بعيد ، هل تأخرت عنك ، فلا تر.

ابريق من فضة وماء من يثرب وقلب عطش حيران.