ثقة نيابية أقرب إلى التزكية.. أين ثقة الشعب من المانح والممنوح؟

ثقة نيابية أقرب إلى التزكية.. أين ثقة الشعب من المانح والممنوح؟
الرابط المختصر

لا بد وأن يشعر رئيس الوزراء سمير الرفاعي بنشوة النصر بعد أن منحه ممثلو الشعب المنتخبون على أساس قانون"الدوائر الوهمية" ثقة غير مسبوقة أقرب ما تكون إلى التزكية في ختام خمسة أيام حافلة أمضاها وفريقه الوزاري تحت قبة البرلمان يستمعون لخطابات رنّانة ونارية تراوحت مضامينها بين الهجاء والمديح.

من شأن هذه الثقة الماسية أن توفّر للرئيس الشاب وسائد راحة متعددة وحرية أكبر للتحرك خلال الاشهر المقبلة بينما يستعد لدخول سنة جديدة مليئة بالتحديات الاقتصادية والسياسية في شرق أوسط مضطرب, بعد أن لفظت عملية السلام أنفاسها الأخيرة وطويت الآمال بقيام دولة فلسطينية مستقلة غربي النهر.

أما المجلس النيابي الخالي من المعارضة الإسلامية التقليدية فكان من الأفضل له لو منح الحكومة التي تربّعت على سدة الحكم لسنة من دون رقابة برلمانية, ثقة معقولة وليس عمياء, على الأقل من أجل سمعته واستقلاليته اللتين بنى الرأي العام آمالا عليهما. لكنه "كسر عصاته من أولى غزواته". تلاشي الخط الفاصل بين التشريعية والتنفيذية سيكرس المعارضة في الشارع, حسبما يسعى إليه التيار الإسلامي, ويشجع على بلورة ردة فعل شعبية لدى الناخبين من الجولة الأولى.

مئة وأحد عشر نائبا قدموا أصواتهم للرفاعي على طبق من ذهب, بمن فيهم نواب "عتقية" منحوا حكومته الثقة "بصعوبة وتثاقل", حال كتلتي التجمع الديمقراطي (ناقص اثنين) والتيار الوطني ممن صوتوا بعكس قناعاتهم ونواياهم الحقيقية التي يعكسونها في أحاديثهم داخل الغرف المغلقة. في المقابل ثمانية نواب- أربع نساء ومثلهم من الرجال أظهروا تحررا من ضغط السياسة والمصالح الشخصية, بحسب ساسة. الصوت الغائب كان للمرحوم راشد البرايسة الذي توفي مطلع الأسبوع. حتى أصدقاء الرفاعي التقليديين كانوا يتحدثون عن رغبة في أن لا تتخطى الثقة حاجز المئة صوت لمصلحة السلطتين وسائر الدولة.

حصاد الرفاعي الاستثنائي يشكّل حلما لكل سياسي يسعى إلى وقوف مجلس النواب إلى جانبه والابتعاد عن أجواء المناكفة. في المحصلة نال الرئيس ما رامه منذ بدء جلسات الثقة. ويبدو أن حالة التعبئة ساهمت في رفع حاجز الثقة بعد أن عقد رئيس الحكومة وشخصيات مؤثرة فيها سلسلة لقاءات مع كتل نيابية ومستقلين لحشد الأصوات مقابل وعود بإصلاحات سياسية, اقتصادية, اجتماعية وأيضا تلبية مطالب مناطقية.

تحصّنت الحكومة خلف الثقة الملكية, بخاصة بعد إطفاء أو تحييد عدّة أزمات داخلية مع المعلمين, القضاة, ورجال الإعلام ليجتاز امتحان انتخابات نيابية نالت ثقة 68 % من الأردنيين, بحسب استطلاع مركز الدراسات الإستراتيجية. قبل ذلك بأسابيع حصل على دعم مريح لأدائه كرئيس, بحسب استطلاع مماثل أجراه المركز, الذي يشهد هذه الأيام انقسامات داخلية حادّة حول ترسيم حدود العلاقات الآمنة مع مكونات الدولة من دون التأثير على مصداقيته التراكمية. الإعلام مرعوب أو منبطح في غالبيته.

الثقة النيابية التي لا تفي بالغرض الديمقراطي ستساعد الرئيس المحافظ سياسيا والمنفتح اقتصاديا لأبعد الحدود على أن يثبت لرأس الدولة صحّة خياره وقدرته على الاستمرار, وأن يصد الهجوم الكاسح الذي تعرض له منذ دخوله مقر الحكومة. يمكنه الاستمرار في لوم صالونات "الشغب السياسي" ومرتاديها من أصحاب الدولة والمعالي والعطوفة, ممن أخرجوا من مناصبهم بين ليلة وضحاها, بعضهم بطريقة ثأرية ومهينة. كما يستطيع ملامة بعض الإعلاميين من "أصحاب الأجندات الخاصة", وبقايا "الحرس القديم" الذي يسعى لحماية مصالحه ومكاسبه.

فتلكم الرواية الحكومية ضد غالبية الانتقادات السابقة.

لكن ليس كل ما يلمع ذهبا.

فالتناغم الحكومي-النيابي سيكون له ثمن عال على الرئيس والنواب. سيصعب على غالبية النواب تغيير مواقفهم الموالية, خصوصا لدى بدء مناقشات الموازنة العامة ومشاريع قوانين مؤقتة مرّرتها حكومة الرفاعي, مثل الضمان الاجتماعي, استقلال القضاء, الانتخابات وضريبة الدخل.

وثمة شكوك في قدرة المخضرمين على مواصلة دعم سياسات الحكومة بعد أن منحوا الثقة بعكس نواياهم. فهناك تفسيرات تشير إلى أن غالبيتهم أعطى الثقة لحكومة الملك على أساس برنامج حكومة تنفيذي عكس مضامين خطاب العرش ليحرّروا أنفسهم قبل التحرك بحرية أكبر لدى مناقشة سياسات تمس الحكومة. كما أن لبعضهم حسابات أخرى; عين أحدهم على رئاسة النواب في الدورة القادمة, وقد يتطلب ذلك دعما رسميا. عدد منهم لا يريدون الدخول في مواجهة مع الرئيس بعد عدد منهم لا يريدون الدخول في مواجهة مع الرئيس بعد أن دخلوا النيابي بأجنحة مكسّرة على وقع شكاوى من تدخلات بعض مراكز النفوذ ضدهم من دون علم الحكومة لقصقصة أجنحتهم.

لكن الشيء الأكيد أن صورة هؤلاء " القدامى" اهتزت بسبب الانقلاب في الموقف مع بدء التصويت على الثقة وسيكون من الصعوبة استعادتها من دون مواقف انقلابية. وهناك تساؤلات مشروعة عما سيؤول إليه موقف كتلة التجمع الديمقراطي مثلا في حال تراجع الرئيس عن الوعود التي قطعها على نفسه أمامهم لجهة إدخال إصلاحات سياسية حقيقية عبر توسيع قاعدة المشاركة الشعبية.

درجة أمان الرئيس وأريحيته ستعتمدان إلى حد كبير على ردود الفعل الشعبية بعد تحرير أسعار وجبة أخرى من السلع والخدمات عقب تمرير الموازنة. فالحكومة تناور ضمن محددات موازنة عامة تجاوز فيها العجز الإطار الآمن, وضبط النفقات عبر سياسات تقشفية وإعداد آليات جديدة "لإيصال الدعم المباشر لمستحقيه (ذوي الدخل المحدود), بطريقة لا تفرق بين صاحب الحاجة والميسور.

وهناك توقعات بارتفاع أسعار الخضراوات والفاكهة في الاشهر المقبلة بسبب احتباس الأمطار ما قد يمس الامن الغذائي للمواطن إلى جانب صعود أسعار المحروقات. يأتي ذلك على وقع تصاعد تذمر قطاعات اقتصادية واسعة تطالب الحكومة بتسديد مستحقاتها لقاء خدمات تعاقدية بمن فيهم مقاولون, مستودعات أدوية ومستشفيات خاصة. كما أن تيار المعارضة الشعبي غير المنظم الذي يحرّكه متقاعدون عسكريون, وإن حاولت جهات رسمية التقليل من أهميته ومن صدقية القائمين عليه, قد يلتقي للمناكفة مع تيار الإخوان المسلمين وغيرهم من أحزاب المعارضة خارج البرلمان. فللمتقاعدين امتداد في البوادي والقرى و"جيوب الفقر" التي تشعر باغتراب وتهميش. أما الإخوان فنجحوا في دغدغة عواطف الشارع بعد أن أصدر مجلس النواب بيانا ضد جبهة العمل الإسلامي ردا على تصريحات أحد قياديي الجبهة زكي بني ارشيد. قبل ذلك انضم المجلس إلى الحكومة في إصدار بيانات وتصريحات تهاجم الجماعة على خلفية فتوى تنتقد الدور الأردني في أفغانستان. السلطتان أعطت الإسلاميين شعبية على طبق من ذهب بينما يتنامى خلاف السلطة مع التيار الإسلامي والعديد من القوى السياسية ومسؤولون سابقون يطالبون بإصلاحات سياسية.

بالتأكيد لن يخدم الحكومة قيام تحالف بين الإسلاميين والمتقاعدين العسكريين مثلا بينما يشرع بعض أبناء البادية في إصدار بيانات تهاجم سياسات بعض أركان الحكومة الحالية? بؤر المعارضة مرشحة للاستمرار والنمو.

عوامل أخرى تشكّل تحديا لمصداقية النواب, منها تصرفاتهم المثيرة للجدل التي لا تختلف عن تصرفات من سبقوهم.

فرئيس المجلس فيصل الفايز نجح بالتزكية لأول مرة في تاريخ الأردن الحديث. بعدها أمضى النواب أسابيع في اختيار رؤساء اللجان الدائمة وأعضائها. ثم تلقّى من الحكومة وجبة التشريعات المؤقتة بدلا من رفض بعضها لإعطاء الانطباع بأنه قوي ويريد ممارسة سلطاته بحذافيرها. كما اضطر الفايز لعقد جلسة غير رسمية مع النواب قبل أيام لحثهم على الالتزام بالنظام الداخلي واحترام النصاب القانوني. طلب منهم الالتزام باستخدام لوحات مجلس النواب ذات الترميز الجديد التي لا تحمل كلمة مجلس النواب لكن غالبتهم يصر على استخدام اللوحات القديمة. وفي مطلع كل جلسة يذكرهم الرئيس بكيفية التصرف ضمن حدود المقبول بطريقة تذكر بتعامل المعلمين مع الطلاب. غالبية النواب بدأت تضغط لاستعادة امتيازات أسبغت على أعضاء المجلس السابق. وسيكون من الصعوبة على الحكومة تمرير سياسات إشكالية من دون اللجوء إلى توزيع مكاسب, ما سيطعن في مصداقية مدونة السلوك التي وعدت بها الحكومة لضبط علاقاتها بالنواب ووقف ممارسات الابتزاز المتبادل.

قبلها قرر النواب عدم احترام قانون منع التدخين في الأماكن العامة, قبل أن يطلب منهم الفايز التدخين خارج القبة.

اليوم بدأ كبار رجال الدولة وساسة وحزبيون بالترحم على المجلس السابق.

في ضوء شهر العسل بين التنفيذية والتشريعية, قد يكون من الأولى للسلطتين أن يتقدما لنيل الثقة من الشعب! هذا يتطلب قيامهما بإصلاح ومراجعة شاملة. فكلاهما يحتاج لأفرهول. دور الحكومة يتعدى معالجة عجز الموازنة وتخفيف المديونية إلى الحراك ضمن مسننات دولة المؤسسات والقانون. ومجلس النواب ليس مجرد بصّيمة

العرب اليوم