تقييم التخاصية: تجنب أخطاء الماضي
رغم حساسية الموضوع للرأي العام الأردني وللجهات الحكومية في آن معاً، قدم د. عمر الرزاز عرضا أكثر من محايد بشأن تقييم عمليات التخاصية؛ لناحيتي تنفيذ عمليات البيع وآثارها، لنحو 19 شركة ومؤسسة تمت خصخصتها خلال العقدين الماضيين.
التقييم لم يستثن أيا من الشركات التي بيعت، وقيّم العملية بحياد تام، ليخلص إلى أن "الملكية الأردنية" كانت أكثر الصفقات التزاما بالممارسات الفضلى، في مقابل تذيل شركات مثل "الفوسفات" و"أمنية" و"الإسمنت" القائمة باعتبارها الأسوأ على هذا الصعيد. وهو ما يساعد الرأي العام في الحكم على مدى الشفافية في استكمال عمليات التخاصية.
كما أن العرض الذي قدمه د. الرزاز يوم إطلاق تقرير لجنة تقييم التخاصية، أول من أمس، تضمن ذكرا لشركات تم بيعها ولم يعلم بها كثير من الرأي العام سابقاً، مثل شركة صيانة الطائرات، والأسواق الحرة.
لم تكن المهمة سهلة؛ بل شاقة، وعبؤها النفسي أثقل بكثير من ساعات العمل الطويلة التي قضاها أعضاء اللجنة في إتمام المهمة التي أوكلها إليهم الملك، حينما شكل اللجنة لتقييم العملية التي طالما شكا منها الأردنيون.
التقرير طويل، وبحاجة إلى قراءة تفاصيله كافة لاتخاذ موقف واضح من العملية برمتها. لكن الخطوة التي أُنجزت وضعت نقاطا فوق الحروف، في محاولة لفك طلاسم القصة التي أرّقت الناس، وخلقت انطباعا عاما بأن الأموال المتأتية منها سُرقت، وكان التطاول عليها بلا حدود.
بالتفصيل، يشرح التقرير حجم الأموال المتحققة من جميع الصفقات، بقيمة 1.76 مليار دينار؛ استخدم منها 1.56 مليار دينار لسداد وشراء ديون، فيما استخدم ما تبقى في مشاريع تنموية بما قيمته 153 مليون دينار، وكذلك تخصيص مبلغ 40 مليون دينار لبرنامج التحول الاقتصادي والاجتماعي.
التقرير يوضح أن قرارات الإنفاق اتخذت من قبل مجالس الوزراء. لكنه يستدرك بأن المشاريع التنموية، وبرنامج "التحول"، افتقرت إلى متطلبات أساسية لكي تكون منسجمة مع القانون؛ فيما يتعلق بإعداد دراسات الجدوى، وإدراجها في الموازنة العامة.
ما ظنه الناس صحيحا حول التخاصية، لكن ليس في جميع الصفقات. ففي الوقت الذي تم بيع "الملكية الأردنية" وفق معايير شفافة، ترافق بيع "الفوسفات" مع كثير من المخالفات القانونية والدستورية.
في النهاية، لدينا اليوم وثيقة مهمة تؤشر على الأخطاء، والعثرات، والتطاول على المال العام. والأولى أن تستفيد الحكومات من التجربة في قادم الأيام، خصوصا أن الأردن مقبل على مشاريع ضخمة، تؤسس لشراكة جديدة بين القطاعين العام والخاص، قيمتها مليارات الدولارات. لجنة تقييم التخاصية، في نهاية المطاف، ليست جهة قضائية لاتخاذ الأحكام المطلوبة. لكنها تقدم معلومات غنية تتعلق بكامل العملية، وتساعد على بناء موقف شعبي يتابع ما يجري مستقبلا؛ كما تفرض على الحكومات الالتزام بمعايير الشفافية والإفصاح، ووقف الصفقات من تحت الطاولة.
أهم ما ورد في التقرير الذي قدّم تقييما صريحا، من دون مجاملة حتى في بعض الملفات الحساسة، يرتبط بشكل وثيق بالتوصيات، ومنها الاستراتيجي والتشريعي، إضافة إلى التوصيات التنفيذية؛ وهي تتعلق بصحة الإجراءات، والحصول على أفضل الخيارات التي تخدم تحقيق هدف التخاصية المتمثل في التنمية، وليس بيع الأصول.
التوصيات شددت على أن لا بديل من المصداقية وشفافية الإجراءات والمكاشفة حول النتائج. وحددت خطوات إن التزمت بها الحكومات، فلن تتكرر أخطاء الماضي، ولتقلل بالتالي فرص وقوع الاختلالات والتشوهات.
لم تخرج علينا اللجنة لتقول إن ما تم كان "تمام التمام"، كما لم تقل أيضا إن الفوضى كانت عارمة؛ بل هي قدمت تقييماً علميا وعمليا لم يجامل أحدا، وهذا هو المهم.
الغد