تقرير مهين للاجئين في الأردن
هناك نزعة عامة لتشويه سمعة اللاجئين السوريين في الأردن ودول الجوار، وهذه النزعة قائمة على التعميم والمبالغة والكذب، وكأن بقية العرب العاربة والمستعربة، ملائكة، في دولهم المستقرة والآمنة.
نزعة تتورط فيها الأمم المتحدة، كما في تقريرها الأخير الذي يقول إن هناك شبكات لعصابات منظمة بين اللاجئين السوريين داخل مخيم الزعتري، وان هناك اتجارا بالنساء، وتجنيدا للأطفال للقتال في سورية.
هذا التورط لم يكن من نصيب الأمم المتحدة، فقط، إذ أن تقارير دولية اخرى، وتحقيقات صحيفة، سعت الى تشويه سمعة اللاجئين السوريين، عبر الكلام عن حالات فردية، واعتبارها مؤشرا على كل سلوكيات اللاجئين.
مخيم الزعتري في عدد سكانه اكبر من مدن أردنية، وهو ثاني مخيم في العالم من حيث العدد، ونوعية اللاجئين فيه مختلطة، تجمع هويات اجتماعية متنوعة من داخل المجتمع السوري، ومن الطبيعي جدا ان نجد فيه الملتزم وغير الملتزم، وان نجد فيه العلماني والاسلامي والمتطرف، وان نسمع عن حكايات من قبيل الاستغلال الجنسي، او دفع الرشى للهروب خارج المخيم، أو لإقناع كفيل بكفالة سوري للخروج، مقابل مبلغ معلوم.
الازمات والمحن تؤدي الى انفجار العلل والبثور في اي مجتمع، وهذا ليس حكرا على السوريين، كما ان السوريين وكل العرب في بلدانهم قبل هذه الازمات يعانون في دولهم المستقرة من كل تلك المشاكل، ولو ذهبنا الى دول مستقرة لاكتشفنا ببساطة ان فيها كل المساوئ التي يتم اثارتها بشأن اللاجئين السوريين في مخيماتهم وخارج مخيماتهم، ان لم يكن اكثر.
لكون التقرير صادرا عن الأمم المتحدة فهذا لا يعطيه قداسة مطلقة، بخاصة أن التقرير وقع في كارثة التعميم على كل السوريين، وهي الكارثة التي يتسم بها العقل العربي ايضا في كل انطباعاته.
لا يحدثك أحد مثلا عن مئات آلاف السوريين الآخرين في الاردن الذين يتسمون بالأخلاق والجدية وحسن السمعة والالتزام، ولا يحدثونك عن آلاف العائلات التي تصون شرف بناتها، ويعمل افرادها ليل نهار من اجل العيش بكرامة، ولا يحدثك أحد عن كل الجوانب المضيئة في الشخصية السورية.
فائدة التقرير الداخلي الصادر عن الامم المتحدة او مفوضية اللاجئين لا تغيب برغم هذا النقد، فبيئة المخيم بائسة وسيئة وصعبة، لأن اللجوء بحد ذاته مصيبة كبيرة، والتقرير هنا قد يعطيك مؤشرا على مشاكل من نوع خاص،
إطلالة-بقية
على السلطات الرسمية والامم المتحدة وكل الجهات الاخرى التنبه لها، ومعالجتها حتى لا تستفحل وتصيرا مرضا عاما داخل مخيم الزعتري، الذي لا ينكر احد ان بيئته المزرية تولد مشاكل مختلفة، لكنها قليلة جدا مقارنة بعدد من فيه، وبتلك الاغلبية التي تتجنب كل انواع المشاكل.
من سقطات التقرير الكلام عن تجنيد اطفال لصالح تيارات اسلامية متشددة داخل المخيم، واخذهم للقتال في سورية، والواقع ان التنظيمات في سورية ليست بحاجة لأطفال كي يحاربوا معها، فمخزون الرجال متوافر ميدانيا في ذات سورية، ولا حاجة لاستيراد اطفال مقاتلين من مخيم الزعتري.
اكتشاف مقاتلين من الاطفال في سورية، كانوا قد اقاموا سابقا في مخيم الزعتري، وعادوا برفقة اقارب وانضموا للقتال، اكتشاف لا رابط بينه وبين بيئة مخيم الزعتري، بقدر كون المشهد نتيجة طبيعية لذات المحنة السورية وليس لبيئة المخيم، أو من نتائج العيش فيه.
أحيانا تقرأ تعليقات تتسم بالتشفي والكراهية ضد السوريين، وكأنهم ليسوا من العرب والمسلمين، واحيانا يتم تلطيخ سمعة اللاجئين السوريين لمجرد هفوة يرتكبها شخص هنا او هناك، باعتبار ان العرب الاخرين من الملائكة، ولو استذكر بعضنا الاخطاء التي يرتكبها اي انسان في العالم وفي بيئات مستقرة، لرحموا السوريين قليلا من لاذع الكلام، الذي يأتيهم في محنة دموية.
الافتراض المسبق ان كل اللاجئين على سوية واحدة، افتراض غير منطقي، وغير علمي، فمن الطبيعي ان يكون بينهم المتدين واللص، وان يكون بينهم الشريف وغير الشريف، فلا ينقصهم اذن الطرق على رؤوسهم جراء ثلة قليلة تخطئ، وهي لاتخطئ هنا، بسبب اللجوء، بل كان هذا مسلكها في سورية اصلا قبل اللجوء، وقبل هذه المحنة.
تقرير الأمم المتحدة تقرير احتوى سقطات كبيرة، اقلها التعميم والمبالغة واعتبار الحالات الفردية، دليلا على وضع عام في المخيم، والعباقرة الذين وضعوا التقرير لو زاروا أي بلد عربي مستقر لاكتشفوا فيه اضعاف ما اكتشفوه في مخيم الزعتري من العصابات والمتاجرة بالنسوة مرورا بنشاطات التنظيمات المتشددة، وصولا الى بقية كل الملاحظات.
ليس كل سوري شيطانا، وليس كل عربي ملاكا أيضا!.
الدستور