تفوق المقموعة و"شرفها"!
تناقضٌ خطيرٌ أن تسجل التقارير المنشورة، كلّ عامٍ، تفوّق الإناث على الذكور بنسبة 75% من المتفوقين في مختلف فروع امتحان الثانوية العامة، بينما نشهد في الوقت نفسه تمييزاً صارخاً ضد المرأة وانتهاكاً لحقوقها باسم الشرف أو الشرع أو القانون!
تخشى النساء الإرهاب الذكوري المتأصل في مجتمعنا، فيُقبلن على الدراسة بغية تحسين ظروف زواجهن، حيث يواصل الذكور فرض مواصفات أعلى لشريكاتهم، على مرّ الأيام، كما يكاد يكون التعليم الجامعي المتنفس الوحيد لمعظم الفتيات اللواتي يواجهن قيوداً عديدة على الخروج من المنزل.
تشكل الطالبات ثلثي عدد الملتحقين بالجامعات الحكومية، تقريباً، ويعوّض الذكور هذا الفارق بدفع مزيدٍ من المال عبر الالتحاق بالجامعات الخاصة، كما تشير الإحصائيات المتوافرة، ورغم ذلك تتفوق بناتنا في أثناء دراستهن الجامعية كذلك.
يصبح الحال مختلفاً حين يتعلق بسلطة الرجل ونفوذه، فلا ينفعها تحصيلها العلمي، إذ تصل نسبة البطالة لدى النساء ضعف نسبتها عند الرجال، مع العلم أنها أكبر من ذلك لو تقدمت جميع الخريجات إلى الوظيفة، ناهيك أن عمل المرأة يخضع في حالات كثيرة إلى اشتراطات الأهل والزوج بتنازلها عن راتبها كلّه أو معظمه لهم مقابل إعطائها الإذن بالغياب عن البيت والانخراط في سوق العمل بأجور منخفضة قياساً بما يناله الرجال.
تقوم المرأة بوظائف عديدة تندرج تحت إطار "مهنة من لا مهنة له"، ترضي رغبات الذكور وتصوراتهم حول ترويج أشغالهم، سواء عملهن سكرتيرات أو موظفات استقبال برواتب متدنية قد تقل عن الحد الأدنى للأجور، المنصوص عليها قانونياً، وربما يجري الاستغناء عنها بسبب الحمل، تهرباً من منحها أجازة أمومة مدفوعة الأجر، وبالطبع لا تحصل كثير من الأمهات الموظفات على حضانة لأطفالهن في مواقع العمل، ويجب عليهن السكوت في حال تعرضهن للتحرش حتى لا يفقدن الوظيفة.
لماذا تتفوق الفتيات في مجتمعنا ولا ينلن تمثيلاً عادلاً يعكس ما يمتلكنه من قدرات وتميّز؟ لا فائدة من تكرار الإجابة ذاتها بإدعاء السلطة والأسرة والتربويين ورجال الدين والإعلام حرصهم على "مكانة" المرأة، وبذلك يمنحون لأنفسهم حق الوصاية عليها، وتقدير "ما يليق بها" و"ما لا يليق"، في سبيل تحقيق هدفٍ واحد يتمثل في حرمان المرأة من استقلالها المادي والمعنوي.
تعامل يُروّج المرأة سلعةً تخضع لمنطق الربح والخسارة, فيمنحها النظام "كوتا" في البرلمان, ويُمكنّها في بعض المناصب من أجل "تلميع" صورته, و"بيع" أوهام انفتاحه, وتوسيعه قاعدة المشاركة السياسية، بموازاة وجود عشرات الانتهاكات التي يرعاها القانون، سواء تلك المتعلقة بزواج القاصرات، وحقوق أبناء الأردنيات، وحرمان المرأة من حقها في الولاية على نفسها!
وإذا كانت الأنظمة الرأسمالية قد سلّعت المرأة واستثمرت حضورها وجسدها كملكية خاصة في الفن والإعلام وعالم الأعمال والسياسة, فإن رجال الدين، أيضاً، يقومون بالتسليع والاستثمار بدعوى الحفاظ على المرأة وجسدها، بينما هم يصمتون عن جميع الممارسات الاجتماعية الظالمة تجاهها، مثل الحرمان من الإرث، وهجر الزوجات، والعنف الأسري.. الخ.
ينطبق الحال على المؤسسة التعليمية، التي تزرع تفوقاً "مزيفاً" للرجل، والإعلام الذي يمارس التحريض بجعله التشكيك بمظلومية المرأة وجهة نظر يضمنها تعدد الآراء، والأنكى من ذلك الإصرار على تكريس صورة النساء باعتبارهن أقلية ضمن الأقليات الدينية والعرقية والاجتماعية، وهو منظور يضمن إدامة معادلة الاعتراف والإنكار في التعامل معهن.
إنكار حقوق المرأة الأساسية، وفي مقدمتها، استقلال شخصيتها وقرارها وسلوكها، لصالح الحديث عن اعتراف يأخذ صورة "مكرمات" تمنح لها على شكل مقاعد في البرلمان وحقائب وزارية, وظهور رمزي في المهرجانات والمؤتمرات الوطنية.
نحن أمام خيارين؛ إنهاء مرحلة تصنيف المرأة ملكية خاصة تتبع الرجل، أو الذهاب نحو تشوهات وفصامات اجتماعية أكبر، وعلى الذكَر الذي تنتابه مخاوف "فقدان الشرف" أن يواجه أزمات نفسية أعظم ما لم يتحرر عقله من هواجسه المتوهمة.
- محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.