ترشيق الجهاز الحكومي
دعوات ترشيق الجهاز الحكومي وتصويب حالات الترهل التي يعاني منها ليست جديدة على الاطلاق, بعد ان مضت عليها عدة عقود من الزمن تعالت خلالها الاصوات الرسمية على اعلى المستويات من اجل وقف هذه المعضلة المزمنة, لكن التنفيذ على ارض الواقع يعاكس ذلك تماما, حيث تزداد الامور تعقيدا من خلال محاولات جاهدة تبذل بين حكومة واخرى من اجل ضمان استمرار هذا الاختلال البين في عمل الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية, وتداخل المهام والصلاحيات بينها الى درجة تثير العواصف من تعدد المرجعيات والصلاحيات, وحتى التشاحن بين بعض المسؤولين الى ان يتم فض الاشتباك او التغاضي عنه من دون اي حلول حقيقية.!
هذا الواقع المرير افرز اوضاعا تشير الى خلل جوهري في الجهاز الحكومي يتعدى تفريخ هياكل اضافية لا لزوم لها في كثير من الاحيان, بهدف تفصيلها على مقاس هذا "المدعوم" او ذاك, الى خلق حالة متنامية من عدم التوازن والعدالة والمساواة داخل القطاع الوظيفي نفسه, حيث تتدرج الرواتب والامتيازات بصورة غير موضوعية او منطقية بين موظف واخر, وتصل الفروق احيانا بينهما الى الاف الدنانير, مع انهما يتماثلان في كل شيء ما عدا اسم الجهة الحكومية التي يعملون فيها.!
وزارة تطوير القطاع العام التي تم انشاؤها قبل سنوات بهدف التعامل المنهجي المتطور مع اوضاع الجهاز الحكومي وتصويب ما يعتريه من خلل وتشوهات, حاولت ان تتبنى لعدة مرات متتالية استراتيجيات انية ومستقبلية لتحقيق الاهداف المناطة بها, لكن كل استراتيجية كانت تتعرض الى النسف الكلي من اساسها قبل التطبيق الفعلي لها وارساء غيرها على الورق والعروض الالكترونية بلا اي تنفيذ, وديوان الخدمة المدنية الذي يعمل بموجب نظام رئيسي شامل للتعامل مع الكوادر الادارية الحكومية يتم التجاوز عليه بصورة اضرت بسمعته وجهوده في توحيد الاجراءات وتوفير الانصاف في التعيين والترفيع والعلاوات وغيرها, مما ادى الى رفد الجهاز الرسمي بعشرات الالاف من الوظائف خارج جدول التشكيلات.!
الان تقول الحكومة انها تسعى بكل جدية الى وضع حد لهذا التضخم والتفاوت غير المنضبط في الجهاز الحكومي, وانها ستبدأ من اصل الداء في هذا الشأن, الا وهو المؤسسات الحكومية المستقلة التي بدأت فكرتها بانشاء 14 مؤسسة من هذا النوع قبل سنوات قريبة, واصبحت حاليا 61 مؤسسة وهيئة والحبل على الجرار, وزادت موازناتها لاربعة اضعاف ما كانت عليه منذ عام 2003م حتى عام 2009م, لترتفع من 477 مليون دينار انذاك الى 1915 مليون دينار في السنة الحالية 2010م, وبدلا من رفدها لخزينة الدولة اصبحت عبئا عليها حيث يبلغ العجز الحالي في موازناتها نحو 355 مليون دينار, هو الفرق بين ايراداتها البالغة 1560 مليون دينار مقابل نفقات تصل الى 1915 مليونا تشكل عاملا ضاغطا على موازنة الدولة المكدودة لهذا العام والتي تعاني من عجز قياسي ثقيل.!
يتردد ان العمل يجري حاليا على التدارس الواقعي لاوضاع الجهاز الحكومي برمته, من خلال دمج او الغاء بعض المؤسسات والهيئات المستقلة ذات الاهداف والغايات المتشابهة من اجل توفير خدمة افضل في القطاع العام وضبط النفقات العامة, وان هناك توجها نحو دمج كل من مؤسسات وهيئات المناطق الحرة والتنموية والمدن الصناعية تحت مظلة واحدة, وكذلك الحال في قطاع الطاقة الذي يتضمن اكثر من ثلاث مؤسسات متشابهة مع احتمالية الغاء المؤسسة التعاونية وغير ذلك من توجهات اخرى تسهم اذا ما تم تنفيذها في معالجة التشابكات المستفحلة بين هذه الوحدات المستقلة والوزارات التي تتبعها.. والاهم من ذلك كله ان لا يبقى الحال على ما هو عليه بلا اية تغييرات جوهرية, لان المهم ليس تقليص العدد فقط انما توحيد العمل الحكومي لا شرذمته.!