تذكير بوقت مناسب
نحن، الشيوعيون، أول من تحدث عن حماية البيئة، وتمترس وراء الفكرة، متمسكاً بأهميتها (الماركسي الأميركي، البلشفي التوجه، جاك لندن)، وتحرير الثقافة والإبداع من السياسة وإخراجها من صلاحيات السلطة السياسية (مكسيم غوركي)؛ وإذا أسعقتنا الذاكرة ولم ننس ألكسندرا كولونتاي ووزارتها، فلن نشكك أن الحركة النسائية ولدت في البرنامج العاجل لأول حكومة بلشفية، أما إذا أخذنا بالحسبان اليسار الأوروبي، الذي لا أحب أن آخذه بالاعتبار، فسنكون نحن أول المدافعين في التاريخ تنبري عن الحقوق المدنية.
وباختصار، فإن حماية البيئة والدفاع عن استقلال الثقافة والإبداع والتأكيد على حرمة الحقوق المدنية هي طموحات اشتراكية، تترجم الأفكار الماركسية الجذرية، على وجه التحديد، وليست مبادئ رأسمالية بكل الأحوال، كما يحاول أن يزعم اليوم بعض الجهلة!
الخرافة الرأسمالية ابتدأت في اللحظة التي تشكلت فيها «السي. آي. إيه»؛ بمهمة أساسية هي مواجهة أعظم تمرد في التاريخ يواجه نظاماً ما، وكان لزاماً تقديم تنازلات مجدية. وكانت الخلاصة التي وصلت إليها «السي. آي. إيه»؛ بتأثير من إدغار لي هووفر، أشهر مدير لـ«إف. بي. آي»، وأشهر مثلي جنسياً في الإدارة الأمريكية، وكلمة السر في تورط السلطات الرسمية العليا مع عائلات المافيا، أن «الحركات» بوصفها هيئات أهم من «الحقوق».
والفكرة بسيطة: لست مضطراً لأن أعطي حقوقاً لأحد. ذلك يعتبر هزيمة. يمكنني أن أشجع وأموّل وأدبر تمويلاً مستقلاً للهيئات التي تناضل من أجل هذه الحقوق، ويمكنني أن أوجهها، الوجه التي أريد من دون أن أخرجها من مجالها.
طبعاً، نجح الأمر وتطور إلى درجة رعاية بعض «شِعر» الوطن العربي، وتمويل بعض اليسار الأوروبي. ثم تعددت المسؤوليات والمهمات فشملت دعم «الحرية» في أفغانستان، واغتيال أولف بالمه في موقف فلسطيني حرج بالاستناد إلى قانون أقره الكونغرس الأميركي (اللجنة المركزية الدولية للجريمة العالمية)، وعشرات «الإنجازات» الأمنية الأخرى لم يحقق ريغان شيئاً غيرها.
علي أن أتذكر أن هذه البلاد شهدت تجارب قدم فيها الناصريون والبعثيون مأثرة إنشاء دول وطنية؛ وهذا كان أفظع ما واجهته الإمبريالية في عالمنا العربي، والكابوس الأشد فزعاً بالنسبة لهم..
طبعاً، هم أقنعونا، نحن الشيوعيين، أن الناصريين والبعثيين هم الأشد فزعاً بالنسبة لنا، و«حررونا» في خطوة تالية بالدبابات التي اقتحمت بغداد، وأمطرونا بالكلام الكثير حول الحقوق المدنية، والحفاظ على البيئة، وحقوق المرأة، ثم قدموا لنا هدية صغيرة متواضعة مع تمنيات صادقة بمستقبل «مشرق»..
«داعش» والصلاة على النبي!
طبعاً، هذا تذكير بوقت مناسب بأن الأجهزة الأمنية أهدرت مواردها في مكافحة الشيوعية؛ ولم يكن ليخطر ببال الشيوعيين أن الدولة ستكرس الموارد نفسها وأكثر لمكافحة القوى الدينية..
وهذا تنبيه حول أمر جلل..
كنا نعتقد أن منتسبي الأجهزة الأمنية مؤهلون ومطلعون وذوو كفاءة؛ وإذ بنا أمام حقيقة يفرضها تدني مستواهم التعليمي والثقافي، في المراكز الرأسمالية وأطرافها على حد سواء، ما انعكس على نحو كارثي على الوضع العام، وقاد إلى كوارث كانت الإنسانية في غنى عنها، ولم يكن فيها من إيجابيات إلا الكشف عن الجهل المستحكم، الذي يندى له الجبين، بين منتسبي هذه الأجهزة، حتى في أهم المراكز الرأسمالية!
- ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.