تحرير الصراع من الدين وتحرير الدين من الصراع!
الاستناد إلى حديث قد لا يكون صحيحا في تشكيل فهم وأحكام على الناس، بأنهم في أحد فسطاطين؛ إيمان لا نفاق فيه، أو نفاق لا إيمان فيه، إنما ينطوي على تضليل أو وهم كبير.
ثم تتوالى سلسلة التضليل والوهم؛ فالناس إما مؤمن أو كافر، منحاز إلى المؤمنين أو منحاز إلى الكافرين.
ثم يمتد التقييم والتقسيم إلى الصراع السياسي والاجتماعي، وربما يمكن استخدامه عند الحاجة في كل اختلاف أو موقف؛ فتكون في كل شأن إما مع المؤمنين وإما مع الكفار!
التوظيف على هذا النحو فيه قدر كبير من سوء النية، أو جهل أسوأ من سوء النية!فالإيمان والكفر لا يتحددان بموقف أو سلوك سياسي، والمؤمنون يجتهدون في مواقفهم واختلافاتهم، وقد يصل الخلاف بينهم إلى القتال، فما معنى قوله تعالى: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما"؟
والتاريخ الإسلامي مليء بنماذج الصراع العنيف الدامي بين المسلمين بعضهم بعضا؛ منذ عثمان بن عفان حتى اليوم. من كان يقاتل من في معركة الجمل على سبيل المثال؟ هل كان طلحة والزبير أو علي في فسطاط النفاق الذي لا إيمان فيه؟
ثم في قتال علي وأنصاره، وأغلبهم من أهل العراق، مع معاوية وأنصاره وأغلبهم من أهل الشام، ثم قتال الأمويين والعباسيين، والعثمانيين والمماليك، والعثمانيين مع تيمورلنك الذي هو مسلم يحظى بقداسة حتى اليوم في قومه المسلمين الأزبك! وقتال السلاجقة مع البويهيين، وقتال الفاطميين مع الإخشيديين، ثم الأتابكة الزنكيين ثم قائدهم ووريثهم صلاح الدين!
وهكذا، فلا يمكن إحصاء القتال الإسلامي-الإسلامي في التاريخ. إنه صراع بشري مثل الصراع المسيحي-المسيحي في أوروبا على مدى قرون طويلة؛ لا يصنف في خانة الإيمان أو الكفر.هناك مخطئ ومصيب.
ويختلط الخطأ بالصواب حتى يكاد يلتبس الحكم في المسألة. وينقسم الناس في التأييد والمعارضة، لكن لا التأييد ولا المعارضة يمنحان أو ينزعان صفة الإسلام، فلا يجوز نزع صفة الإسلام عن أحد بسبب خطئه السياسي إن كان مخطئا.
ثم، من يحدد المخطئ مِن المصيب؟ إنها قضية ملتبسة، وبخاصة في التراث والفقه (الإسلامي)؛ ما معنى الغلبة التي حظيت بالقبول التاريخي المتواصل، ومعظم الدول الإسلامية قامت بالغلبة؛ غلبة مسلمين على مسلمين آخرين بالقهر والقتل!
ليس هذا المقال تأييدا لاستيلاء الجيش على السلطة والسياسة في مصر، أو في جميع دول العالم. ولكن الفكرة الأساسية أن الصواب والخطأ في الصراعات السياسية لا يصنفان وفق قواعد الإيمان والنفاق/ الكفر.
والانحياز إلى الديمقراطية والانتخاب اتجاه سليم، ارتقت به الحضارة الإنسانية لتنظيم تداول السلطة. ولكن هذا الانحياز ليس إيمانا أو كفرا. والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع هما منتج حديث، علّمنا إياه غير المسلمين. وهو أمر جميل بالطبع، ورفضه يجب أن يكون مرفوضا، ولكن هذا التأييد والرفض ليسا مستمدين من الحديث عن الفتن، حتى يصير الناس إلى فسطاطين.وبالطبع، فإن المؤمن يتحرى الإيمان دائما ويتجنب النفاق، ولكنه لا يبحث عن إيمانه في المواقف والاجتهادات السياسية.
وحتى الجريمة السياسية ليست ضد الإيمان! وهذه الاختلافات التي يحب البعض تحويلها إلى صراعات دينية، لا تخدم الدين في شيء! العكس تماما؛ هي ليست سوى صب للزيت على النار! ولا تفيد إلا في تكريس الاستبداد والفساد.وبالطبع، فإن أطراف الصراع تحشد الدين في معركتها ضد الآخر، وتجد فيه موردا لحشد الأتباع والمؤيدين، وإنشاء دوافع وحوافز قوية للتأييد أو المعارضة.
ولا بأس في ذلك على أي حال، برغم ما فيه من محاذير ومنزلقات، ولكن ذلك لا يحوّل الصراع إلى حرب دينية، ولا معركة إيمان وكفر. وحتى إن كانت معركة إيمان وكفر، فمن يحدد المؤمن والكافر في صراع مثل الذي يجري في مصر على سبيل المثال؟
من يملك أن يقول لأحد من المعسكرين إن كان يعتبر نفسه مؤمنا إنك لست كذلك؟في جميع الأحوال، أن يعتبر أحد نفسه مؤمنا لا يعني أنه على حق وصواب! الإسلام لا يضيف صوابا أو حقا لأحد طرفي الصراع فيما يجري في مصر وفي جميع الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.
الغد