تابوهات مصطنعة
يُنصح الكتّاب، عادةً، بتجنب المواضيع ذات الصلة بالدين والجنس والسياسة، التي تُدعى تابوهات، والابتعاد عنها كي لا تجلب لهم المشاكل والمتاعب. لكن أوليس هدف الكتابة هو إجبار القارئ على التفكير وإعادة النظر بالآراء المسبقة والمواقف المتعارف عليها؟
يتخوف البعض من صدمةٍ تهز قناعاتهم ومعتقداتهم وعاداتهم بزعم أن تغيّرها يعكس نوعاً من الضعف أو التنازل، متجاهلين أن استيعاب ما يستجد من آراء بل والتغيير نفسه يعدّ أرقى أشكال النضوج الفكري، وأن الإنسان الرافض للتغيير هو متعنت بأفكاره ومواقفه وتصرفاته.
التغيير هنا ليس لمجرد التغيير، بالطبع، إنما بسبب تلقي معرفة أو معلومات جديدة، أو الاقتناع بحجة تخالف ما تعودنا عليه، أو متابعة تصرفٍ مغاير للسلوكيات التي تربينا عليها في شرقنا العربي- الإسلامي، الذي تعودنا فيه على قبول مسلماتٍ لا تعدّ ولا تحصى منذ نعومة أظفارنا، ومنها ما تلقيناه مع حليب الأم وورثناه من الآباء والأجداد. لكن هل تلك المقولات والتقاليد منزّلة وغير قابلة للنقاش والحوار، ومن ثم للتغيير؟
هناك من يعتقد أن كسْر التابو عبر الحديث المفتوح والحرّ عن أي أمر يرغب به الكاتب أو المفكر يجب أن يتم بذكاء، وأصحاب هذه الآراء ترى أن التعامل مع المحرمات من دون خطةٍ متكاملةٍ قد يجلب تأثيرات معاكسة، وبأن كسر التابوهات من خلال الشخص الخطأ والمكان الخطأ والأسلوب الخطأ ينتج عنه رد فعل سلبي قد يعيق محاولة كسرها لسنوات مقبلة.
هناك وجهة نظر أخرى تعتبر كسر للتابوهات ضمن أي ظرف هو أمر جيد، لأنه يفرض رأياً مخالفاً، وبذلك يًفتح باب النقاش والحوار، وهو ما يُنتج في نهاية المطاف التغييرَ المطلوب.
تواردت عليّ أفكار المقال بسبب ازدياد نشْر صور قديمة تعود إلى ستينيات القرن الماضي، وربما أقدم، على الصفحات الافتراضية (التواصل الاجتماعي) تُظهر غالبية النساء من غير غطاء الرأس (الحجاب)، الأمر الذي أصبح مع مرّ السنين تقليداً محصوراً بين فئة من النساء بينما الحديث عن فكرة إزالة الحجاب بات من التابوهات، التي يجب أن لا ينطق بها أحدٌ خوفاً من التهجم عليه/ عليها بذريعة التكفير وما إلى ذلك من إرهاب فكري.
لقد وفرت ثورة المعلومات فرصةً تاريخيةً لإثارة النقاش المفتوح المعتمد على أسس فكرية ومهنية ومرتبط بأدلة ووثائق تدعم أي حجةٍ أو تعارضها، لكنها لن تؤدي غرضها هذا إذا كان هذا الكم من التابوهات مهيمناً على ثقافتنا ومجتعنا وتمنع أي نقاش يفترض تبادل الآراء والأفكار.
مراجعة التقاليد والسلوكيات والقناعات المتوارثة تعدّ أساساً لأي فكر تنويري، وهو مكفول لكل شخص وفق ما أقرّه البند التاسع عشر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نصّ بأن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".
لقد حان الوقت لكسر كافة المحظورات المتعلقة بالدين والجنس والسياسة، وغيرها من الأمور، الممنوع مجرد مناقشتها، وأن نفكر من دون قيود أو شروط أو تابوهات مصطنعة.
- داود كتّاب: مدير عام شبكة الإعلام المجتمعي. أسس العديد من المحطات التلفزيونية والإذاعية في فلسطين والأردن والعالم العربي.