البخيت كان في المرة الأولى ضحية صراع مراكز القوى وفي الثانية طريق المجلس لاستعادة الشعبية .
بأغلبية بسيطة جداً عَبَرت حكومة البخيت, امتحان الثقة, ولولا "فزعة" الرُّبْع الساعة الأخير لذهبت في خبر كان. ففي غياب أي تدخل رسمي نجح خصوم البخيت في مجلس النواب باحراجه فعلا.
63 صوتا, هي أدنى درجة ثقة تحصل عليها حكومة في عهد المملكة الرابعة, والثانية بعد حكومة عبدالسلام المجالي منذ عودة الحياة النيابية قبل 22 عاما.
يشعر المرء بالتعاطف مع البخيت, فالرجل رغم كل الملاحظات على ادائه في حكومته الأولى وتجربته التي ارتبطت بعدد من القضايا الشائكة - ما زال بعضها يلاحقه حتى الآن - يُجمعُ المراقبون على نزاهته ونظافة يده ووطنيته المخلصة وعدائه لزواج رجال الأعمال مع الحكم.
في المرة الأولى كان البخيت ضحية صراع مراكز القوى التي تحالفت ضده واختلفت على حسابه. وفي التجربة الثانية يبدو ان البخيت كان ضحية مجلس يريد ان ينتقم لكرامته ويسعى لاستعادة هيبته عند الشعب بعدما تعرض لانتقادات شديدة اثر منح حكومة الرفاعي ثقة قياسية.
لا يجد المراقبون غير هذا التفسير لقرار نواب كثيرين بحجب الثقة عن الحكومة. ويضاف اليه تحسب النواب من حل مجلسهم على يد هذه الحكومة في حال توصلت الى تفاهم حول قانون الانتخاب مع قوى سياسية خارج المجلس.
من ثقة 111 صوتا الى 63 صوتا ثمة مؤشر على اضطراب في اداء النواب يعكس الى حد كبير تركيبة المجلس الهلامية وعدم اكتراث الأغلبية فيه لمسألة الإصلاح السياسي.
لا يُعْرَف بعد اذا كان موقف الرأي العام قد تحسن تجاه مجلس النواب بعد التصويت الأخير على الثقة "البسيطة", لكن, اذا اخذنا مسيرات "الحسيني" مؤشراً للقياس, فالأمر لم يتغير, فشعار حل البرلمان كان الابرز في مسيرة الاخوان المسلمين وحزب الوحدة الشعبية بالأمس.
أعتقد ان النواب الذين منحوا الثقة للحكومة السابقة وحجبوها عن حكومة البخيت سيواجهون الأسئلة نفسها, ولكن بلغة معكوسة خاصة اعضاء الكتل البرلمانية والمحسوبين منهم على التيار اليساري والقومي.
فقد منح هؤلاء الثقة لحكومة الرفاعي بناء على "وعود" باصلاح قانون الانتخاب - احيل اصلا الى النواب ولم يكن امره بيد الحكومة - بينما قدمت لهم حكومة البخيت عرضا افضل بكثير يقوم على سحب القانون "سيئ الصيت" من البرلمان, واجراء حوار وطني حول قانون جديد تعلن الحكومة منذ الآن انه يعتمد النظام المختلط, ومع ذلك حجبوا الثقة عنها.
ما أود قوله في هذا الشأن, أن الجدل حول ثقة الـ 111 الذي اشتد في وجه النواب سيتراجع ليحل مكانه جدل حول حجب الـ 47 نائبا والثقة المتدنية بالحكومة. ما يعني ان مجلس النواب الذي يعتقد انه بهذا "الحجب" بَرّأ ذمته من "الثقة" بحكومة الرفاعي قد وضع على طاولة النقاش سؤالا اكثر اهمية حول قدرة المجلس على تقديم اداء متزن وممارسة دوره في الرقابة والتشريع بلا حسابات او اجندات شخصية, طفح الكثير منها على سطح المناقشات تحت القبة مؤخرا.
لكن, بعد الثقة المتدنية بالحكومة يبرز سؤال حول شكل العلاقة المستقبلية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
هناك من يعتقد ان الحكومة وفي ضوء الأغلبية النيابية البسيطة ستواجه صعوبة كبيرة في تمرير التشريعات والسياسات في المجلس, هذا على افتراض ان "المعارضة" وأعني بها النواب الذين حجبوا وامتنعوا عن اعطاء الثقة سيستمرون كـ "بلوك" واحد .
المؤكد من وجهة نظر المراقبين ان الحاجبين عن الحكومة لا يختلفون كثيرا عن المانحين فجميعهم لا تربطهم وحدة الهدف والبرنامج. وسنشهد انزياحات في المواقف تبعا للقضايا المطروحة, وتنقلات بين الصفوف تحكمها المواقف السياسية للبعض والمصالح الشخصية للبعض الآخر, لكن السمة العامة لعلاقة الطرفين ستبقى متوترة.
العرب اليوم