نجحت الحكومة بتأليب الرأي العام ضدها، واشعال الحرائق بدلا من اطفائها، فقد جاءت تصريحات رئيسها برفع الأسعار واحياء قانون الصوت الواحد المجزوء قبل حصوله على الثقة، معبرا عن رغبة جامحة بدخول المعركة قبل وصول الحلبة، فخسر جولتين، الاولى حين دفع بقانون الصوت الواحد الى مجلس النواب، وارغم على تعديله، رغم ان التعديل لا يرقى لمستوى الاجماع الوطني، والمرة الثانية بالتراجع عن قرار رفع الاسعار، وآمل ان يلقى قانون المطبوعات المكمم للافواه المصير نفسه ، والغريب ان حكومة تلقت هذه الصفعات لم تقدم استقالتها بعد..!
أما قضية الدعم المزعوم كنا نتمنى أن تعلن الحكومة طريقة احتساب كلفة المشتقات النفطية بشفافية، وكيفية الوصول للأسعار، وما هي نسبة الضريبة التي تفرضها على البنزين، وما مدى دستورية احتساب الضريبة على سلع اساسية من دون صدور تشريع يحدد نسبتها خاصة أن المعلومات تشير الى وجود ضريبة 40%، وبشكل مخالف لنص المادة (111) من الدستور. ومع ذلك تصر الحكومة على أن مادة البنزين مدعومة من الخزينة، وان قرار الرفع الاخير يهدف لتخفيض نسبة الدعم ..!
وبناء عليه اضطررت الاستعانة بالارشيف لعرض المعلومات التالية: أقدمت حكومة معروف البخيت في شباط عام 2008 على تعويم أسعار المشتقات النفطية، وأصدرت قرارا يتضمن تعديل أسعار المحروقات يوم 2012/8/2 بحيث أصبح سعر لتر البنزين (575) فلسا اوكتان 90 بدلا من (430) فلسا، و(660) فلسا سعر البنزين اوكتان 95 بدلا من (606) فلسات، ونشر هذا التعديل في التقرير الشهري للبنك المركزي لشهر شباط 2008، تحت عنوان أسعار المشتقات النفطية بعد تعويم الاسعار، وتضمن القرار تقديم دعم سنوي نقدي على دفعتين لغير العاملين في الجهازين المدني والعسكري استنادا للاسس التي اعتمدت عام 2006، على ان يتم صرف الدعم على رواتب الموظفين في الجهازين المدني والعسكري، علما أن سعر النفط تراوح في حينه بين شهري كانون الثاني وآذار من عام 2008 بين 100 – 115 دولارا للبرميل، أي الأسعار السائدة نفسها في هذه الأيام، لنخلص إلى القول إن الفرق بين سعر البنزين اوكتان 90 عند التعويم والسعر المعدل يوم الجمعة الماضي (195) فلسا لكل لتر واوكتان 95 (409) فلسات، أي بزيادة حوالي 30% و 54% على التوالي ، اذا اسعار البنزين اليوم أعلى من الاسعار التي حددتها وزارة الصناعة بعد تعويم اسعار المحروقات وبنسبة مرتفعة جدا ومن دون دعم نقدي..! اين الدعم المزعوم يا حكومة..؟
أما تخفيض عجز الموازنة فهو مطلب وطني قبل أن يكون مطلب صندوق النقد الدولي وليس بالضرورة أن يكون من جيوب الفقراء. فهناك سلسلة من الخطوات تسهم في معالجة الازمة في حالة توفر الارادة السياسية:
1- فرض ضريبة تصاعدية تبدأ الشريحة الاولى 5% وتنتهي 50% - هكذا كانت لغاية اوائل التسعينيات- على القطاعات المالية والمصرفية وشركات الاتصالات، على ان يتوقف سلم الضريبة التصاعدية على قطاعات الانتاج عند شرائح معينة لدعم القطاعات المنتجة خاصة المؤسسات التي توظف عمالة اردنية على مدار السنة استنادا الى كشوفات الضمان الاجتماعي.
2- تعديل ضريبة المبيعات وتحويلها الى ضريبة تصاعدية تبدأ بنسبة الصفر على السلع الضرورية التي تستخدم من قبل ذوي الدخل المتدني، وترتفع النسبة تدريجيا لتصل الى نسب مرتفعة على السلع الكمالية وذات المواصفات العالية.
3- ضبط الانفاق ووقف هدر المال العام بدءا بامتيازات الوزراء والنواب وكبار الموظفين والمستشارين، خاصة في مؤسسات الوحدات الخاصة الحكومية التي قدرت نفقاتها بحوالي ملياري دينار، مع التذكير باعتراف وزير المالية السابق بوجود هدر بنسبة تقدر بحوالي 15% من نفقات الدولة، اي حوالي مليار دينار.
4- زيادة ايرادات الدولة من رسوم التعدين .
5- اعادة اموال الشعب المنهوبة ومكافحة الفساد.
6- إدارة موارد الدولة بشكل سليم واستثمارها بما يؤمن تنمية اقتصادية مستدامة ومولدة للدخل ، والكف عن المشروعات المظهرية التي تستنزف اموال الخزينة.
وفي الختام لا بد تأكيد أن حزمة الإجراءات وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز استضعاف الفقراء وتحميلهم أعباء الأزمة المالية التي تواجه البلاد، كما لا يجوز بحال من الأحوال تمويل عجز الموازنة بالقروض، خاصة في ظل مديونية متنامية خرقت كل السقوف، وجففت السيولة المحلية، بعد ان تجاوزت المديونية المحلية 11 مليار دينار، ما اضطر الحكومة للذهاب إلى الصندوق والخضوع لشروطه القاسية .
العرب اليوم