بدائل الرئيس عبّاس الأربعة
عرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس على لجنة المتابعة العربية أربعة بدائل عن المفاوضات المباشرة المتوقفة بفعل استئناف أعمال الاستيطان ، تقول المصادر (تُقرأ التسريبات) أنها تتلخص بما يلي: (1) إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس ، ودعوة العالم وبالأخص الولايات المتحدة للاعتراف بها عملاً بـسيناريو كوسوفا"....(2) حمل الملف الفلسطيني بمجمله إلى مجلس الأمن الدولي ودعوته لاستصدار قرار الاعتراف بالدولة والعاصمة وفقا لحدود ..76.(3) الطلب إلى مجلس وضع المناطق الفلسطينية المحتلة (إقليم الدولة) تحت وصاية دولية بموجب المادة 77 من ميثاق الأمم المتحدة إلى أن تُستكمل خطوات بناء الدولة الفلسطينية...(4) حل السلطة الفلسطينية (الأكذوبة على حد قول عباس هذه المرة) وإطلاق يد إسرائيل في إعادة احتلال الضفة الغربية.
إن صدقت الرواية وثَبُتَ أن هذه السيناريوهات ـ البدائل الأربعة هي فعلاً ما طرحه الرئيس الفلسطيني على الاجتماع المغلق للجنة المتابعة العربية ، فإن الأمر بحاجة لبعض النقاش والتدقيق والتمحيص ، ذلك أن مصائر ثلاثة من أصل هذه السيناريوهات الأربعة ، معلقة على شرط واحد: قبول الولايات المتحدة وتجاوبها ، وهو أمر غير مضمون وليس في اليد ، إن لم نقل أنه مستبعد وغير مرجح على الإطلاق ، ما يعني أن بدائلنا كما عرضت على القمة ، ليس في يدنا ، بل في يد غيرنا ، ليست نتاج قرارنا نحن ، بل هي ثمرة لقرار من هو في موقع "الخصم والحكم".
السيناريو الأول ، سيناريو كوسوفو ، لا يختلف في مضمونه عمّا فعله الرئيس الراحل في الجزائر عام 1988 ، وبفرض أن الولايات المتحدة اعترفت هذه المرة بالدولة الفلسطينية المُعلنة من جانب واحد ، فإن اعترافها سيكون مشروطاً أو مقروناً في أضعف تقدير ، بقيام هذه الدولة بإجراء مفاوضات مع إسرائيل لحل القضايا العالقة ، وهنا يكون "سيناريو كشمير" أقرب لوصف واقع الحال من "سيناريو كوسوفا".
السيناريوهان الثاني والثالث ، يفترضان امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن ، ضد الاعتراف بالدولة أو الوصاية على إقليمها ، ليبقى سؤال "ماذا بعد ؟ ،"مدرجاً على جدول الأعمال الفلسطيني ، هل ننكفىء ونعود إلى وراء أم نكرر المحاولة ونعاود الكرة ، هل نلجأ لقرار الجمعية العامة رقم 377 لعام 1950 ، الاتحاد من أجل السلام" ، والذي يعطي الجمعية العامة بعضاً من صلاحيات مجلس الأمن إن تخلف الأخير عن القيام بدوره في حفظ الأمن والسلم والدوليين ، أم نبقى على أعتاب مجلس الأمن خشية إغضاب الولايات المتحدة والخروج من مظلة تحالفاتها واستراتيجياتها الإقليمية والدولية.
السيناريو الرابع ، حل السلطة ، قراره بيدنا ، وإن كان الرئيس عباّس قد طرح المسألة أمام أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في عمّان مؤخرا في سياق "التوافق" مع إسرائيل وليس في إطار الصدام معها ، والحقيقة أن سيناريو كهذا ، قادرّ وحده ، على خلط الأوراق وإعادة الأمور إلى نصابها ، ووضع الاحتلال من جديد على سكة "تسديد الفواتير" بعد أن أعفي منها لأزيد من عقد ونصف العقد من الزمان ، هذا السيناريو وحده كفيل بوضع حد للسلطة "الأكذوبة" على حد وصف عبّاس نفسه ، والتي بدل أن تصبح نواة للدولة باتت صندوقاً للتقاعد ، وساحة لصدام "الأخوة الأعداء" وتقاتلهم على سلطة ـ وهم أو سلطة ـ أكذوبة ، وظيفتها رفع الأعباء عن الاحتلال ، أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية ونفسية ، طالما أن هناك من هو على أتم الاستعداد للقيام بالمهمة القذرة.
لا نريد أن نبسّط الأمور ، فنختصر استراتيجية المواجهة مع الاحتلال والاستيطان والعدوان بحل السلطة ، فثمة محاور عديدة لهذه الاستراتيجية ، ليس حل السلطة سوى حلقة من حلقاتها ، والحل الذي نعنيه ربما يأخذ أشكالا مختلفة ، من نوع إعادة تعريف وظائف السلطة وموقعها في النظام الفلسطيني وطرق إدارتها ، فتكون جهازاً خدمياً (بلدية موسعة) ، يدير الشؤون المحلية للمواطنين كمجالس الحكم المحلي او اللامركزية الإدارية ، على أن ينزع عنها الطابع السياسي الذي اكتسبه من غير وجه حق ، وبصورة مخالفة للنظام والقانون ، ويعاد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني بعد أن يعاد بناؤها وهيكلتها ، وبعد إشراك جميع القوى الفلسطينية في صفوفها وفقا لأحجامها واوزانها التي تقررها صناديق الاقتراع ، وصناديق الاقتراع فقط.
أخشى أننا ذهبنا بعيدا في التفاؤل وأفرطنا في "تخيّل" الاستراتيجية البديلة ، ذلك أن "مهلة الشهر" التي منحها الوزراء العرب لواشنطن ، كفيلة بقلب كافة البدائل والسيناريوهات رأساً على عقب ، فليس مستبعداً أبداً أن يقدم نتنياهو على تمديد العمل بتجميد الاستيطان شهرين أو ثلاثة أشهر ، نظير كل ما حصل أو قد يحصل عليه من ضمانات وإغراءات (وليس ضغوط كما يقول الوزراء العرب) ، عندها سنرى أن كل هذا البناء "المُتخيّل" سينهار ، ولن يطالنا منه سوى "جزاء سينمّار" ، خصوصا بعد أن تبدأ العواصم العربية تتداعى على عجل لتلبية نداء استئناف المفاوضات ، أليس هناك في سرت اليوم من يهمس في أذني عباس بعدم الانسحاب من المفاوضات حتى وإن استمر الاستيطان ؟،.
الدستور