انتخاب رؤساء الجامعات : ولم لا؟

انتخاب رؤساء الجامعات : ولم لا؟
الرابط المختصر

أحد رؤساء الجامعات الرسمية مضى على تعيينه نحو عام ونصف، لكنه حتى الآن لم يلتق أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، ورئيس آخر أبدى رغبته بالاستقالة، لكن رئيس الوزراء آنذاك رفض طلبه، وأخبره بأنه سيتم التجديد له، لكن بعد شهر واحد فوجئ الرجل بأن قراراً صدر بـ”الاستغناء” عن خدماته، رئيس ثالث أنهى مدى تعيينه وحين عاد الى جامعته “الأم” فوجئ بأنه لم يسمح له بالتدريس فيها هذا الفصل.

للتذكير بقصة تعيين رؤساء الجامعات أشير - فقط - الى ما حدث قبل نحو عام ونصف حين طرح رئيس مجلس التعليم العالي مبادرة “الترشح” على شواغر الرئاسات في جامعتين رسميتين، وقتها ترشح نحو ثلاثين استاذا ممن تتوافر فيهم المؤهلات والشروط المطلوبة، وفعلاً تم اختيار عدة أسماء وجرى تنسيبها الى الحكومة، لكن المفاجأة ان اللذين اختيرا لم يكونا ضمن الأسماء المنسب فيها، حيث نزل “الرئيسان” بالبراشوت ولم يعتذر أحد من الآخرين الذين تم استبعادهم لأسباب غير مفهومة.

ما الذي يمنع من “انتخاب” رئيس الجامعة؟ ولماذا يجري تدوير الرئاسات بين أشخاص بعدد أصابع اليد الواحدة، ولماذا تبقى جامعاتنا أسيرة لعملية “التعيين” التي تتم بلا شروط ولا ضوابط ولا محاسبات ايضا؟

حين أشرت الى نماذج الرئاسات الثلاثة - ولدينا غيرها أيضا - كنت أريد أن اقول إنه لو جرى انتخاب أي رئيس من هؤلاء فإن النتيجة ستكون مختلفة تماما، فهذا الذي عزف عن لقاء اعضاء هيئة فعل ذلك لأنه يعرف ان قرار تعيينه أو تثبيته يصدر من خارج الجامعة، وبالتالي فهؤلاء الأساتذة - سواء التقاهم أو لم يلتقهم - لن يؤثروا عليه، والآخر الذي تم تطمينه على التمديد له ثم فوجئ بقرار عزله وحرمانه من شرف الاستقالة، ما كان ليتعرض لهذه “الإهانة” لو كان قرار اختياره من داخل عمادات الجامعة التي يتولى رئاستها.

اذا أردت ان تعرف أسرار تراجع اداء جامعاتنا، وانحدار مستوى التعليم الذي يتلقاه ابناؤنا، وانتشار الانحرافات والعنف فيها، وهروب المئات من الكفاءات العملية منها الى البلدان المجاورة، وفشلها في الحصول على مراتب متقدمة في قوائم افضل الجامعات العالمية، وقلة انتاجها في “البحث” والتطوير, وانعزالها عن محيطها الاجتماعي، وغياب الحريات الاكاديمية فيها.. وغير ذلك من المشكلات والأخطاء.. فما عليك إلا أن تنظر الى عملية “التعيين” التي يتم بموجبها اختيار الرئاسات واعضاء هيئة التدريس، والعلاقة القائمة بين الإدارات وهذه الهيئات والطلبة ايضا.. وعندها ستكتشف أن الخلل في المقدمات يقود الى “نتائج” مفزعة.. بعضها يطفو على السطح ونراه، واخرى تتغلغل داخل الأسوار التي ما تزال مغلقة.

الخطوة الأولى لإصلاح “جامعاتنا” هي ضبط “الاختيار” سواء لرئاساتها أو لأعضاء هيئاتها التدريسية أو للعاملين فيها، يمكن أن نبدأ بالرئاسات من خلال إصدار نظام يحدد “انتخاب” الرئيس من قبل عمداء الكليات، ثم بنظام يحدد اختيار العمداء من خلال اعضاء هيئة التدريس في كل كلية، ثم بنظام يحدد شروطاً واضحة لاختيار الاساتذة.. وهكذا، على ان يكون كل ذلك داخل الجامعة، وهذا هو المعنى الحقيقي لاستقلالية الجامعات، بعد أن جربنا ما فعلته بنا مقررات مجالس التعليم العليا، و وزارات التعليم العالي وغيرها من الجهات.

الديمقراطية الحقيقية تبدأ من “الجامعة” وليس من مجلس النواب، وإذا كنا مصرّين على اعادة السلطة للشعب، فالأولى ان نبدأ من الجامعة على الأقل لكي يتعلم الطلبة هذا الدرس الديمقراطي، وإذا كان الآخرون قد سبقونا الى ذلك (مصر في تجربة الأزهر وبعض الجامعات)، فالأولى ان نتقدم نحن خطوة على طريق الديمقراطية، وتعميم مفهوم الانتخاب ليشمل رؤساء الجامعات ودائرة الإفتاء والمؤسسات التعليمية والاجتماعية الاخرى التي ما يزال “التعيين” فيها عنواناً لمشكلة “التخلف” التي اعادتنا للوراء عشرات السنوات.

الدستور

أضف تعليقك