انتخابات بمن شارك .. أم قانون جديد؟!
الذين حاولوا تركيز الهجاء بحق جماعة الإخوان المسلمين في سياق الترويج لقانون الانتخابات بطبعته الجديدة يجدون حرجا كبيرا هذه الأيام بعدما ثبت أن رموزا سابقين وحاليين يعانون الإحباط بسبب إقرار القانون، فضلا عن حالة ما يشبه الإجماع على رفض صيغته الجديدة كمقدمة للإصلاح.
مؤكد أن مسألة الإصلاح لا تنحصر في قانون الانتخاب، لكن الأوضاع المعقدة التي تعيشها البلاد محليا وإقليميا هي التي دفعت قوى الإصلاح إلى التركيز على القانون كمحطة في اتجاه إحداث تغييرات في الحياة السياسية تنسجم مع الحد الأدنى من أجواء الربيع العربي. والأمر هنا لا يخص الإخوان وحدهم، بل معظم القوى السياسية وإن اختلفت حول تفاصيل الصيغة الأفضل لقانون الانتخاب.
وفي حين عوَّل البعض على عوامل محلية وعربية وإقليمية في سياق تجاهل مطالب الإصلاح وإعادة إنتاج قانون الصوت الواحد المجزوء بتعديل محدود عبر القائمة الوطنية، فقد ثبت اليوم أن ذلك التقدير لم يكن صائبا.
اليوم يسير نظام الأسد نحو النهاية المحتومة بصرف النظر عن تفاصيل اليوم التالي، بينما بدأت الحراكات المجتمعية تطل برأسها حتى في بعض الدول التي كانت الأكثر رفضا للربيع العربي، مع ملامح تطورات إيجابية في الوضع المصري.
المهم أن الربيع العربي لم ينته ولم يفشل حتى لو بقي في نطاق الصراع والمراوحة لسنوات قادمة، وهو سيبقى على الأرجح تبعا للنشاط المتواصل لقوى الشد العكسي التي تسعى لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لكن ذلك لا يعني تجاهل ذلك الربيع بشكل شبه كامل كما حدث عبر إقرار القانون المشار إليه.
لقد بدا واضحا خلال الأيام الماضية أن قوى المعارضة وفي مقدمتها الإخوان قد ارتاحوا كثيرا من عبء الأسئلة المتعلقة بالموقف من الانتخابات، إذ خرجوا بإجماع كامل على رفض المشاركة. حدث ذلك رغم أن حشر موقفهم من مسألة الإصلاح في قانون الانتخاب يعد تراجعا من قبلهم تقديرا للظروف المحلية والإقليمية والدولية، وأملا في أن تشكل الانتخابات مدخلا لحياة سياسية توافقية معقولة كما أشرنا من قبل.
لا يعرف بالطبع على ماذا يعول الطرف الذي أصر على الصيغة الجديدة لقانون الانتخاب، وهل إن التطورات الجديدة التي تلوح في الأفق، فضلا عن الإجماع على المقاطعة من قبل قوى المعارضة، هل سيدفعه نحو موقف جديد، أم سيمضي نحو إجراء انتخابات بمن شارك، بصرف النظر عن النتائج، مع علمه بأن الأفضل هو الإبقاء على البرلمان الحالي، لأن الجديد لن يختلف كثيرا؟! هي معضلة تبدو عربية بامتياز، أعني في الدول التي لم يشملها الربيع العربي، إذ لا زال البعض يراهن على أن الربيع سيستثنيهم، وأن بوسعهم إبقاء كل شيء على حاله القديم، من دون التعرض لأية هزات مثيرة، لكن واقع الحال يؤكد أن الجماهير العربية لم تعد في وارد القبول بالصيغ القديمة. وإذا كانت تلك الجماهير مشغولة هذه الأيام بالثورة السورية وتتأهب للاحتفال بسقوط بشار الأسد، فإن المرحلة التالية ستشهد تطورات في عدد من الدول العربية، بما فيها تلك التي تعتقد أنها محصنة ضد رياح التغيير.
الدول المذكورة يمكنها تجنب الهزات السياسية إذا أحسنت التعامل مع الوضع الجديد عبر حد معقول من التعددية والمشاركة السياسية، لكن إصرارها على الرفض، والتعامل مع مطالب الإصلاح بروحية التجاهل سيؤدي إلى رفع سقف المطالب الشعبية وليس خفضها كما يتوقعون.
span style=color: #ff0000;الدستور/span