هل نحتاج إلى "حوارات" وطنية للتوافق على قانون "انتخاب" جديد؟ هل نحتاج الى "لجان" لفحص مستندات قضايا الفساد وتحديد اسماء "الفاسدين" ؟ هل نحتاج الى مزيد من الوقت لاكتشاف "اجندة" الإصلاح ، والتي سبق لنا ان ناقشناهاعلى امتداد السنوات الماضية وخرجنا منها في مجلدات الأجندة وتوصيات اولي العزم واقتراحات الأردن أولا ؟
لنعترف بأننا تأخرنا كثيرا في وضع قضايانا على الطاولة وبأننا تعاملنا مع الإصلاح السياسي بمنطق الاستهتار والتأجيل وعدم الاهتمام ، وبأننا الآن نعمل تحت ضغط اللحظة الحرجة ، هذه التي لم تترك لنا مجالا لمزيد من المجاملة والمناورة والالتفاف على مطالب الناس ، لكن يبدو أننا حتى في ظل لحظة الاضطرابات لم نضع أقدامنا على الطريق الصحيح ، وما زلنا نراهن على الوقت وكأن ثمة متسعا من الوقت للجدل والنقاش والاتفاق على مسائل أصبحت بديهية ومعروفة بل وتحظى بتوافق وطني عام ، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذا الهروب الذي تمارسه الحكومة نحو تشكيل لجان لفحص قضايا الفساد التي لا يختلف أحد منا على عناوينها ، وكيف يمكن أن نفهم هذه الدعوات التي تنطلق لتدشين حوار وطني حول قانون انتخاب عصري ، علما بأن لدينا آلاف التصورات والاقتراحات والبدائل ، وهذه سبق للمركز الوطني لحقوق الانسان أن انتهى اليها بعد عشرات اللقاءات في كل محافظات المملكة ، وسبق للأجندة الوطنية أن أشهرتها بشكل واضح في توصياتها ، ناهيك عما قدمته الأحزاب وقوى المجتمع المدني في هذا الإطار.
لا أدري اذا كان اخواننا في الحكومة ما زالوا مصرين على ان بيئة المجتمع لم تنضج بما يكفي لتحقيق الإصلاح ، كما جاء ذلك في خطة رئيس الوزراء التي حدد فيها 30 عاما لإنجاز هذه الوصفة ، ولا أدري ايضا اذا كنا لم نتعلم بعد مما حصل حولنا ، حيث نجح غيرنا في أقل من شهر بإجراء تعديلات على دستورهم وبإحالة الفاسدين الكبار الى القضاء وتوقيفهم في السجون ، وفي تغيير اهم قواعد اللعبة السياسية بعد حل البرلمان وغيرها من الإجراءات التي اتخذت بلا تشكيل لجان ، ولا حوارات وطنية ولا غيرها.
إذا إرادت الحكومة أن تبعث برسالة صحيحة ومقنعة تؤكد جديتها في تدشين تحول ديمقراطي حقيقي لا مجرد اصلاحات عاجلة فإن المطلوب منها ان تمسك بزمام المبادرة ، وأن تمسك هي بها دون لجان ودون حوارات وطنية طويلة ودون تسويف ، وان تبدأ بلا تردد بعمليات جراحية لا عمليات تجميلية ، بل عمليات خاطفة وعميقة ومؤثرة وسريعة ، تستهدف اهم العناوين التي تشكل اليوم اطارا لمطالب الناس ، ولا أعتقد أنها لا تعرفها ، واذا كانت تريد ان ندلها عليها فهي تتلخص في: تقديم مشروع قانون انتخابي عصري وصيغته موجودة لديها كما قلنا ، واحالة رؤوس الفساد الى القضاء ، وفتح ملفات بيع الشركات الوطنية والأراضي ، وفتح ملف الخصخصة والمديونية ومحاسبة كل الذين تجرأوا على أموالنا وممتلكاتنا... إلخ الخ.
هذه كلها كما قلنا لا تحتاج - اذا كنا نريد التحول الديمقراطي - الى مشاورات او حوارات او لجان ، إنما تحتاج الى ارادة ورؤية وشجاعة في اتخاذ القرار.
لكن اذا استمرت الحكومة باستخدام الوقت واضاعة الفرصة التي بين يديها الآن ، فإننا للأسف سنظل ندور في ذات الحلقة التي دارت بها حكوماتنا السابقة وسنظل نتحدث باستفاضة عن الإصلاح والديمقراطية دون أن نرى من ثمارها أي شيء وهو ما يستدعي الحذر والانتباه في هذا الوقت الذي نعرف جميعا استحقاقاته وعواصفه.
الدستور