الهجوم على غزة والمخطط الشمولي
هل الهجوم على غزة يمثل خطوة «إسرائيلية» منعزلة عن سياقها العربي، أم أنها جزء مما يجري في المنطقة بشكل عام؟
وهل ما يجري في معظم الأقطار العربية يكمل بعضه بعضاً؟
وهل هناك تناسق في المشهد، بحيث يمكن القول إن الهجوم الشرس على مقومات النهوض، وعناصر التأثير الجماهيري على الصعيد العربي كله يصب في محصلة واحدة، كلها تُجمع على ضرورة تجفيف منابع الربيع العربي وملاحقة ظواهر التغيير وتشويهها وضرب قوائمها، ومن ثم الاستعجال بوأدها؟
عندما تشاهد الأموال التي تم انفاقها لتغيير المشهد السايسي في مصر، والإصرار على إغراقها جيشاً وشعباً ومؤسسات وقوى سياسية في معركة سياسية داخلية خاسرة، تؤدي الى تهشيم القوى الحيّة في المجتمع المصري، وإعادة رسم خريطة القوى المؤثرة وفقاً لحدود جديدة وترسيخ خطوط مواجهة جديدة، بعناصر جديدة مختلفة، وتضيف الى ذلك الأموال التي تم منحها على «حفتر» وقوى سياسية مغمورة لتخريب المشهد الليبي، والحيلولة دون وجود حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء ليبيا، من أجل بقاء الحالة غير المستقرة والسعي نحو حالة الانفلات الأمني عن طريق تزويد الأطراف المتحاربة بالمال والسلاح.
أضف الى ذلك العبث الذي يجري في المشهد اليمني، حيث تبدو ملامح المخطط بوضوح الذي يهدف الى منع اليمنيين من الوصول الى حالة المصالحة، التي تضع حداً للاقتتال الداخلي، من أجل الحيلولة دون وجود دولة اليمن المستقرة، وقد جرى مؤخراً ضخ أموال واسلحة طائلة لإعادة اشعال المعركة الداخلية من جديد، وتم افتعال خلاف جديد يغيِّر وجه المعركة ويضيف أبعاداً جديدة الى البعد الجهوي (جنوبي وشمالي) والبعد المذهبي (زيدي وسني)، الى أبعاد سياسية وحزبية من أجل تعقيد المشهد واطالة أمد الحرب الداخلية.
هناك خطوط نسب وقربى مع كثير من التعقيدات السياسية التي تظهر على سطح المشهد السياسي في معظم دول المنطقة، وعندما يتم البحث عن حركة اللقاءات والزيارات، وحركة الأموال وظهور وجوه جديدة تدرك بوضوح الجهد الذي يبذل على هذا الصعيد، وتستطيع أن تؤشر على المكان والمصدر.
«إسرائيل» التي ترقب المشهد السياسي عن قرب، وترقب التحولات العميقة الجارية في المنطقة، تحاول أن تكون جزءاً من المخطط، وتحاول أن تفرض نفسها طرفاً لاعباً مؤثراً مما يجري، وتحاول أن تكمل رسم المشهد من خلال عدوانها على غزة، باعتبار أنها تخدم الهدف نفسه، وأنها تنسجم مع الجهود المبذولة من أجل الإعفاء على انتفاضة الشعوب العربية، وتحول دون قدرة الشعوب على امتلاك أدوات التغيير والحيلولة دون السعي نحو التمكين المجتمعي في الوطن العربي، ذلك التمكين الذي يهدد حقبة الاستبداد والفساد التي كانت تمثل الداعم الأكبر لوجود الكيان الصهيوني واستمرار تمدده سياسياً واقتصادياً.
الشعوب العربية بحاجة ماسة الى ادراك ابعاد المخطط الذي تم رسمه للقضاء على أحلامها بالاستقلال والتحرر، وأحلامها بالنهوض والتقدم، من خلال إغراقها في معارك الفرقة الداخلية، والاقتتال الطائفي والمذهبي والجهوي، ووضعها بين خيارين لا ثالث لهما؛ خيار الاستبداد والفساد والتسلط والديكتاتورية القادر على فرض الأمن بالعصا الغليظة، أو خيار الفوضى والانفلات الأمني والاقتتال الداخلي، وعلى الشعوب أن تختار بينهما!
إن العدوان « الاسرائيلي» على غزة يفضح المخطط، ويسهم بإضاءة الجوانب المظلمة التي يغفل عنها كثيرون، ويتغافل عنها آخرون تحت وطأة التعصب الحزبي أو حالة النزق السياسي المتغلفة أحياناً بأردية فكرية أو انتماءات سياسية تقليدية باهته، أودت بالأمة و مقدراتها وأضاعت فرصة الوحدة والنهوض على مدار نصف قرن.
تكمن المشكلة بإعادة غمس الرؤوس في الرمال، والاستمرار في لعبة التمثيل الممل على الجماهير المقهورة، وممارسة التسلية في لعبة الدم القاتلة، والرقص على أشلاء الضحايا والإمعان في خداع النفس وتدمير الذات، وكله عبر سواعد عربية وأموال عربية، اعلامية عربية.
الدستور