الهجوم المضاد: إجهاض الإصلاح!
لم يبتعد الزميل النائب جميل النمري عن التوصيف الدقيق لما يحدث، في كلمته بالأمس، عندما تخوّف من أنّ هنالك مناخاً تشي به كلمات النواب تشتم منه رائحة إجهاض الإصلاح السياسي.
المسألة، هنا، لا تتعلّق بمنح الثقة للحكومة من عدمه، بل في مداخلات النواب وآرائهم التي نسمعها في أكثر من موقع، إذ يبدو واضحاً للعيان أنّ مزاجاً نيابياً ينمو يقلل من أهمية الإصلاح السياسي وأولويته، وهو ما يدفع إلى القلق بأن يتحوّل المجلس إلى "قلعة محصّنة" ضد الإصلاح السياسي.
ثمة قراءات متعددة وتحليلات مختلفة يمكن أن تقدّم لتفسير المزاج النيابي، بعيداً عن محاولة التعويض بعد الثقة العالية غير المبررة التي منحت لحكومة سمير الرفاعي، حينما كانت القوى المتحركة في الشارع تطالب بإسقاطها.
في مقدمة تلك القراءات يأتي القلق لدى أعضاء المجلس من أنّ مجلسهم هو أول من سيدفع ثمن الإصلاح السياسي وإقرار قانون انتخاب جديد، ومنها وجود أجندات شخصية صارخة لعدد من النواب الذين هاجموا الرئيس لأسباب لا علاقة لها بالبرنامج ولا بالرؤية، بعد أن قاموا بحملة "تحريض" ضده خلال الأيام الماضية.
ما يمكن التقاطه، خلال المداخلات والآراء التي استمعنا إليها مؤخراً، أنّ المزاج النيابي يعتبر أيّ حديث حالياً عن قانون انتخاب مستعجل، هو مقدّمة لانتخابات نيابية مبكّرة، وحل البرلمان الحالي، فقط "إرضاءً" للإخوان المسلمين والقوى التي دفعت نحو المقاطعة، وهو ما صرّح به بعض النواب محيلاً أي قرار بحل المجلس إلى "صفقة" مع قيادة الإخوان.
من الواضح أنّ مجلس النواب بدأ يأخذ طابعاً محافظاً بعد قانون الصوت الواحد، لكن بصورة أكثر شراسة وصراحة منذ انتخابات العام 2003. وبالضرورة، فإنّ مواقف المجلس عموماً تتسم بعدم التحمّس للإصلاح السياسي، وبخاصة مع تغيير قانون الانتخاب وتعزيز الحضور السياسي في المجلس، على حساب الحضور الحالي الذي يتسم عموماً بضعف الثقافة السياسية والاعتماد على العوامل الاجتماعية والشخصية.
في المحصلة، نحن أمام معضلة حقيقية، في الأيام المقبلة، تتمثل في أنّ المجلس ينظر إلى أي خطوات إصلاحية-سياسية تقوم بها الحكومة باعتبارها مصادرة لدوره المطلوب، ويحاول فرملتها، كما فعل مع التعديلات على قانون الاجتماعات العامة، على اعتبار أنّ ذلك سيطيل عمر المجلس، وفي سياق "الدفاع عن النفس".
في المقابل، فإنّ حركة الشارع تسير بسرعة كبيرة ويرتفع سقفها يوماً بعد يوم، فيما تشعر الحكومة والمؤسسات الأخرى في الدولة بالتهديد من "التباطؤ" في عملية الإصلاح السياسي، ما يجعل الحكومة عملياً بين فكي الكماشة: الشارع ومجلس النواب.
طبيعة مجلس النواب وتركيبته ومدخلاته جميعها عوامل تجعل منه في صدام مباشر مع قطار الإصلاح السياسي السريع.
الخشية، في الحقيقة، ليست فقط عند حدود "قلعة النواب"، بل أن تنسحب مواقف النواب على قوى سياسية أخرى محافظة، وأن يتم الترويج لـ"فوبيا الإصلاح السياسي" في أوساط اجتماعية واسعة، ما يضعف الأرض التي تقف عليها الدعوات الإصلاحية الحالية.
إذن، من يتبنون الخط المعارض للإصلاح السياسي عليهم أن يسألوا أنفسهم عن البديل. إذ بدا بوضوح خلال العامين الماضيين أنّ المعادلة السياسية القائمة انتهت صلاحيتها، ولم تعد تنتج إلا الأزمات. وهذا طبعاً قبل أن تهب رياح التغيير الديمقراطي العربية، فكيف ستكون الحال الآن؟!
الغد