النواب ( غاضبون ) على الاعلام..!!

النواب ( غاضبون ) على الاعلام..!!
الرابط المختصر

(غضبة) اخواننا النواب على الاعلام في جلسة أمس الأول مفهومة ، لكن نحن نقبلها ونرحب بها اذا كانت في سياق تبادل العتب وطلب الانصاف،ونرفضها ونستنكرها اذا كانت ضمن مطالب التصفيق والتطبيل ، فهذه مهمات مغشوشة يجب ان يتبرأ منها النواب قبل الاعلاميين،لأنها تسيء لنا جميعا.

لا شك بان العلاقة بين الاعلام والنواب ظلت مسكونة بهواجس الخوف والقلق والتوتر ايضا ، وبأن اطرافا في كلا المجالين تعمدوا الدخول على الخط لتشويه هذه العلاقة وتفخيخها ،كما ان اطرافا اخرى من خارج (الحقل) استغلت الاعلام لتوجيه ما يلزم من ضربات  لبعض النواب سواء لتصفية الحسابات معهم او لتخويف غيرهم من فتح ملفات مسكوت عليها ،او لابقاء المجلس جاهزا تحت الطلب وفي متناول اليد ايضا.

الاصل في العلاقة بين الاعلام ومجلس النواب ان تكون مبنية على التفاهم وتقاسم الادوار وتقدير المسؤوليات  ،ناهيك عن الاحترام المتبادل  فالاعلامي  يمارس مهمته في ظل تشريعات ومواثيق شرف تلزمه التعامل بموضوعية ومهنية مع “الخبر” مهما كان مصدره ، وتتيح له حرية المراقبة والنقد وابداء الرأي فيما يتعلق بالشأن العام بعيداً عن الحسابات الشخصية او الاعتبارات الخاصة. اما النواب فيمارسون مهمتهم الرقابية والتشريعية وهم يدركون ان عيون الرأي العام تراقبهم من خلال الاعلام ،وبالتالي فان الاعلامي يتحمل واجب اطلاع الجمهور على حركة النواب وادائهم ، وهذه ان كانت مهمة الاعلام فهي من حق النواب والجمهور ايضا ،ذلك ان مجلس النواب ، بخلاف الحكومة ، هو خيار الناس وافرازهم ، وهو يمثلهم ايضا ، وبالتالي فان من حق هؤلاء ان يراقبوا اداءه ، وان يتابعوا ما يدور فيه ، وما يتخذه من قرارات ، ولا يمكن ان يتحقق ذلك دون وجود “اعلام” مهني وموضوعي غير مقيد بأية شروط او تفاهمات.

ومع ذلك ثمة سؤال جوهري وهو هل يتحمل الإعلام جزءًا من “مسؤولية” ما يحدث في مجلس النواب ،ويمكن بالطبع ان نعكس السؤال لنعرف المسؤولية التي يتحملها مجلس النواب في تحديد خيارات الاعلام وادائه،ليس فقط  بسبب التشريعات الاعلامية التي يتولى المجلس اقرارها ،وهي غالبا ما تتعارض مع رغبات الاعلاميين وطموحاتهم ،وانما ايضا بسب دخول بعض النواب على خط الاعلام من خلال قنوات غير مشروعة لدرجة يمكن فيها ان نقول بان وراء معظم اخطأ او تجاوزات الاعلام التي تتعلق بالنواب (يدا) نيابية تحرك وتغري وتحرض ، اما فيما يتعلق بالاعلام فانه ايضا يتحمل قسطا من المسؤولية ،واشير هنا الى ثلاث ملاحظات  ،اولاها ان الاعلامي انجر للاسف  الى  “الثنائيات” القاتلة التي يحاول البعض “صناعتها” وتكييفها  لاقناع  الرأي العام بها، ولان جزءا من  صناعة هذه الثنائيات جرى في “مطابخ” السياسة ومن ضمنها مجلس النواب الا ان الاعلام كان “الحاضنة” والمروّج لها، ومع انه كان يمكن للاعلام ان يقوم بدور “الفلترة” السياسية بما يتناسب مع مهمته المهنية والموضوعية الا ان انجراره خلف المواقف السياسية  لبعض النواب حرمه من هذا الدور، وبالتالي فان الاعلام اصبح شريكا للمجلس في (المغرم) الاخلاقي ،اما الملاحظة الثانية فهي ان الاعلام غالبا ما يستسهل انتقاد النواب من باب الاستفراد احيانا ومن باب الترويج والمنافسة في استقطاب الجمهور، ومنطق الاستسهال هنا مفهوم في سياقين احدهما مقبول وهو ان السلطة النيابية، بخلاف السلطات الاخرى ، هي اختيار الناس ومن حقهم ان يحاكموها من خلال ادائها الذي يتولى الاعلام تقديمه لهم ،اما السياق فيقوم على المنطق الانتقامي احيانا وفق الرد على تعامل المجلس السلبي مع الاعلام او على عدم وجود (نفوذ) حقيقي للنواب على الاعلام مقارنة بما لدى السلطات الاخرى من نفوذ واحيان سلطة على الاعلام ،وتبقى ملاحظة اخيرة وهي ان الاعلام الذي يحمل مسؤولية تراجع ما يطمح اليه من حرية واستقلالية ودور في التعبير عن الضمير العام للمجتمع والدولة  غالبا ما التزم بالحياد او-ان شئت -  “بالزهد”  حين يتحدث عن علاقته باصلاح (البيت الاعلامي) ذلك ان بعض الاعلاميين الذين يتحدثون عن اصلاح اداء  مجلس النواب(او عن مجالات الاصلاح بشكل عام ) غالبا ما ينكفئون على انفسهم اذا ما تعلق الامر بالحديث عن “اصلاح الاعلام” وحتى حين يطرح مثل هذا الموضوع للنقاش فان سهام النقد غالبا ما تتوجه نحو  البرلمان والحكومات باعتبارها “الخصم” او المسؤول عن الاصلاح وهذا النقد يبدو وجيها، لكن من الاولى ان يسأل الاعلاميون انفسهم عن “دورهم” ايضا في اصلاح بيتهم وعن حدود الحرية التي ارتضوها لممارسة عملهم وعن حضورهم “الواجب” في مجتمعات استطاعت ان تتجاوز عقد الخوف والتردد ،وهي تنتظر ان تجد (رؤوسا ) تحركها وتوجهها نحو اتجاهات صحيحة، والاعلام هنا ليس مجرد وسيط للحركة وانما شريك فيها ايضا .

الدستور

أضف تعليقك