من جديد، يقف النواب أمام قانون الانتخاب لعل وعسى أن يصلوا هذه المرة إلى طموح الملك بإخراج قانون انتخاب يرضى عنه رأس الدولة ويحقق الحد الأدنى من أحلام وأمال القوة المجتمعية الحية في المملكة ويدفعها للمشاركة في الانتخابات المرتقبة قبل نهاية العام، عبر إقرار قانون انتخاب يحقق التوازن المطلوب شعبيا وحزبيا.
الملك أعاد الأمور إلى نصابها من خلال الإيعاز للحكومة بإرسال مشروع قانون معدل للانتخاب يراعى فيه إعادة النظر في المادة الثامنة من القانون الذي صادق عليه الملك حرصا منه على إجراء انتخابات نيابية قبل نهاية العام، ولإفساح المجال أمام الهيئة المستقلة للانتخابات لتباشر مهامها.
الحكومة بدورها عليها أن تلتقط الإشارة الملكية جيدا، وتعمل على هديها، وتستشرف ما يريده رأس الدولة من القانون المقبل جيدا، وبالتالي ترسل مشروع قانون معدل يحقق هذا التوازن المطلوب.المادة الثامنة من قانون الانتخاب هي زبدة القانون وأصله، وهي تتعلق بالنظام الانتخابي، وتنص على تقسيم الدوائر وعدد مقاعد القائمة الوطنية وكذا مقاعد كوتا المرأة، وتنص أيضا على طريقة التصويت إن كان عبر صوت أو صوتين أو أكثر.
الحكومة التي وقفت تتفرج بدون تدخل أو دفاع عن قانون الانتخاب عند إقراره من قبل مجلس الأمة، عليها الآن تبديل موقفها والدخول في حوار أكثر جدية وعمقا مع الجميع، والدفاع عن وجهة نظرها بكل قوة تحت قبة البرلمان، وعليها أيضا أن تؤمن أساسا بأن البلاد والحالة المجتمعية الحالية تتطلب دفن الصوت الواحد، والإيمان بهذه الحتمية قولا وعملا، والذهاب نحو توسيع المشاركة المجتمعية والحزبية بدون وضع عراقيل أو عقبات.
إن أي تعديل ستقدمه الحكومة بدون إعادة نظر حقيقية وجادة بالمادة الثامنة، سيكون كمن يريد إخراج اللبن من الماء، وسيعيدنا الى المربع الأول، فما الضير أن نعود إلى مشروع القانون السابق، والمتضمن منح الناخب 3 أصوات، صوتين للدائرة المحلية، وصوت لقائمة وطنية مع رفع عددها الى 30 عضوا أو 27 مثلا.
بذلك نكون قد أدخلنا تعديلا يمكن البناء عليه باعتباره قفزة الى الأمام، ونترك مجالا واسعا لمشاركة أوسع في انتخاباتنا المقبلة التي يجب علينا قبل الذهاب إليها أن نضمن أوسع مشاركة فيها، وإلا سنكون في ظل مقاطعتها، كالمثل الشعبي كأنك يا أبو زيد ما غزيت.
ربما يعتبر البعض المقترح السابق (صوتين للدائرة وآخر للقائمة الوطنية ورفعها الى 27 مقعدا) قفزة كبيرة، ولكنها قفزة مشجعة تضعنا على طريق حوار حقيقي، يمكننا لاحقا البناء عليه وتعزيزه، ورفع مداميكه أعلى فأعلى.
الأمل أن لا تقزم الحكومة التعديل المطلوب، وتختصره في فقرة واحدة من المادة الثامنة المتعلقة بالقائمة الوطنية، وإنما عليها أن تفتح حوارا أوسع حول كل المادة، وتستقرئ آراء ووجهات نظر الجميع، وبعد ذلك تقدم رؤى وتصورات غير محكومة بخوف من هذا الطرف أو ذاك، وترسل تعديلا عماده المصلحة العامة، والقفز تجاه إصلاح حقيقي مبني على دفع الجميع للمشاركة في الانتخابات، وليس دفعهم للمقاطعة والابتعاد عن صندوق الاقتراع.
النواب بدورهم عليهم التقاط ما حصل جيدا، وإعادة التفكير مليا بالمادة الثامنة، بعيدا عن التفكير في المصالح الضيقة، والاصطفافات التي لا تخدم أحدا، ولا تحقق الإصلاح المطلوب.
فالإصلاح أساسه وعماده توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتوسيع الخيار، من خلال الابتعاد عن الصوت الواحد الذي أجمع الكل على رفضه
المؤمل من السادة النواب عدم زج الوطن في تجارب لا تفيد، وعدم البحث عن طرق التفافية لإبقاء الصوت الواحد من خلال منح صوت ثان لقائمة لا تساوي قوتها التصويتية ما مقداره 12 % من أعضاء مجلس النواب. إزاء كل ذلك، هل يستثمر النواب الفرصة أم يبقونا أسرى لأهواء ورغبات فردية؟!!
span style=color: #ff0000;الغد/span