النداء الأخير
تقدم حكومة سمير الرفاعي نفسها كحكومة إصلاحية لن تقبل ترحيل مشاكل مستعصية مثل العجز والدين، ولن تسمح أن يكتب في سجلها أنها تسببت بالأذى للأجيال القادمة نتيجة الهروب من استحقاقات خطيرة.
ووفق هذه الرؤية تضع الحكومة خطة للعمل لتقليص هذه المشاكل إلى مستويات لا تهدد المنجزات، وتؤثر على تقييم الاقتصاد الوطني في الخارج، وهذا ضروري.
والقضايا التي تتحدث عنها الحكومة غاية في الأهمية، بيد أنها تتضاءل عند الحديث عن مشاكل اقتصادية ذات بعد اجتماعي مثل الفقر والبطالة، التي تقدم رسائل مباشرة بأن الناس لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من سياسات التقشف والإصلاح في ظل مستوى معيشي سيئ، قاد أكثر من ثلثي المجتمع الأردني إلى حافة الفقر.
أول من أمس خرج الأردنيون إلى الشارع للتعبير عن مشاعرهم وعرض مطالبهم، بمسيرات اتسمت بالرقي ولم تشهد خللا واحدا، وأكدت أن الأردنيين أهل للحرية والإصلاح ولحكومات تستشعر همومهم. المسيرات التي توزعت على مختلف مناطق المملكة كشفت بجلاء واقعا سيئا سياسيا واقتصاديا، وبينت أن القدرة على التحمل لدى الناس وصلت حد الإشباع.
الأنباء تشير إلى أن التحرك الشعبي لن يتوقف عند هذا الحد، فالاعتصامات مستمرة وقائمة، والمطالبات لها أول وليس لها آخر، وتبدأ بلقمة العيش ولا تنتهي بالإصلاح السياسي والحرية والعدالة وتساوي الفرص ومحاربة الفساد والمفسدين.
اليوم لم تعد التحذيرات تنفع، وعبارات من يقرع الجرس، ومن يدق الخزان لن تجدي، بعد وصول الحال إلى حد يتطلب عملا جديا وحقيقيا وإرادة بإحداث تغيير كبير، يرضي تطلعات الناس ويرتقي بطموحاتهم.
وأمام هذه التحديات وتصاعد حالة التعبير، التي أكدت الحكومة أنها تضمنها، ثمة فرصة ذهبية لإعلان حسن النوايا والبدء بخطوات حقيقية تبث رسائل تطمئن الغاضبين، وتؤكد أن الحكومة جادة في الخضوع لمطالب الشارع، إذ لم يعد مقبولا بعد اليوم حالة اللااكتراث التي تتعامل بها الحكومات مع تطلعات الناس.
الإجراءات الحكومية الأخيرة للتخفيف عن الناس كانت ذات أثر مؤقت، ولم تكف لامتصاص حالة الاحتقان وعدم الرضا لدى شرائح واسعة من المجتمع، إذ إن تحقيق هذه الغاية بحاجة لجراحات وليس إجراءات تسكين توقف الشعور بالألم لكنها لا تستأصل السرطان.
ويزيد من تعقيد المسألة شعور الناس المتناهي ببعد الحكومة عنهم، وفقدان الروابط بين الطرفين، إذ بات الشعور العام والمزاج الشعبي مدركا تماما أن الحكومة غير مكترثة بما آلت إليه أحوال الناس. عند هذا الحد يتوجب على الحكومة التفكير ألف مرة قبل الحديث عن الأرقام، التي لا نقلل من شأنها، ولكنها بالتأكيد ليست أهم من السلم المجتمعي والأثر الاجتماعي الخطير الذي يتوقع أن تجلبه حالة الاحتجاج الشعبي على كثير من السياسات الحكومية الاقتصادية.
وسط أجواء الاحتقان على الحكومة الابتعاد عن التبريرات التقليدية التي عادة ما تتهم الشعب، بأنه غير منتج ومكبل بثقافة العيب التي تجنح به عن مهن ووظائف لا يرضى المسؤولون مجرد الحلم بأنهم يؤدونها.
إعادة الحسابات باتت حاجة ملحة، حتى يشعر الناس أن الحكومة مكترثة، وستستجيب لمطالبهم، التي تحقق لهم عيشا كريما، وتقلل عدد الجوعى، والعاطلين عن العمل من الشباب الذين يشعرون بالاغتراب في وطن لم يعد قادرا على توفير فرص العمل لضمان المستقبل الذي لا يثقون به كثيرا.
الشارع يبث نداءه الأخير وعلينا الإنصات جيدا لنبضه وصوته.
الغد