النجاح المستمر بالفشل

الرابط المختصر

تستحق حكوماتنا المتعاقبة، وبكل جدارة واستحقاق، درجة الامتياز مع مرتبة الشرف بتخصص (كيف تصبح فاشلا)!! فبينما نعاني من لعنة الجغرافيا السياسية التي وضعتنا بقلب منطقة ميزتها الاولى عدم الاستقرار، وبينما يجوب جلالة الملك أصقاع الدنيا محاولا جلب الاستثمارات للمملكة، الا أن كافة مؤشرات الاقتصاد وآثارها الاجتماعية المدمرة تجعل المواطن الاردني يئن تحت نير البطالة والفقر والعازة وتراجع القدرة الشرائية.. فهنيئا لنا بمتوالية "الحكومات الفاشلة"!!

لا يستقيم أبدا ان تتعامل الادارة المالية للبلاد بعقلية المحاسب الذي يمتشق آلته الحاسبة ويبدأ بحساب القرارات المصيرية لقطاع ما بمبدأ الضرب والقسمة والجمع والطرح، فهذه مهمة يستطيع انجازها طالب متوسط المستوى بالصف التاسع الأساسي. إذ ان لكل قرار اقتصادي آثاره المباشرة وغير المباشرة اجتماعيا، وبالتالي على مستوى النمو العام للبلاد، ومستوى معيشة المواطن.

فبينما تعجز الحكومات المتعاقبة عن توفير فرص عمل لائقة، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لم يتبق أمام أعداد غفيرة من المواطنين إلا محاولات "خلق الواسطة" للالتحاق بالجيش العربي او أحد الاجهزة الامنية (وهي الوظيفة الاكثر استقرارا، وتحظى بالعديد من الامتيازات) أو التوجه نحو "فخ" البنوك في محاولة لشراء سيارة للعمل بها في إحدى تطبيقات نقل الركاب أو التوصيل.

من غير المعقول ان تتغير نسب الجمارك والضرائب الخاصة والعامة مواصفاتها أربعة مرات في أقل من عام ونصف، ومن غير المعقول أكثر أن تدعي الحكومة في كل مرة أن هذا القرار لتصويب التشوهات وبعد دراسة متأنية لآثاره الاقتصادية والاجتماعية، ليفاجىء المستثمر والتاجر والفني والمواطن في كل مرة بانقلاب يغير كافة القواعد القديمة، ويأتي بقواعد جديدة يتبعها تغيير بسلوك المستثمرين والتجار والمواطنين (الباحثين بلهفة عن أي توفير ممكن)، وتستجلب استثمارات جديدة، ليأتي بعد أشهر قليلة قرار جديد ينسف كل هذه القواعد في كل مرة!!

القرار الجديد قد يزيد قليلا من الوفر لخزينة الدولة في الاشهر الاربعة المقبلة ترضي غرور "عقلية المحاسب"، ولكنها بكل تأكيد ستجلب نتائج كارثية مباشرة ستجبر "نفس المحاسب" على تغيير قراراته المحاسبية نحو مزيد من التخبط و "الملاطشة"، لتجلب مزيدا من هروب المستثمرين وإفلاس مزيد من التجار، وخسارات بالجملة للمزيد من المواطنين!

لن أزيد على كل التحليلات والتعليقات التي كانت حديث البلاد في اليومين الماضيين، ولكني سأتساءل: هل من المعقول ان تبقى هذه العقلية (عقلية المحاسب) هي العقلية السائدة في التعامل مع اقتصادنا؟ الى متى سيتحمل المستثمر والتاجر والمواطن نتائج هذا التخبط والتجريب؟

نصيحة أخيرة للمواطنين حصرا: من يرغب بشراء سيارة فليشتري بسرعة خلال الشهور الاربعة القادمة، ومن يرغب بالبيع ويستطيع التمهل فليتمهل، لأن السوق سيشهد ارتفاعا ملحوظا بداية من كانون أول المقبل.. وطبعا هذا التنبؤ وغيره لا يخضع لأي منطق ولا لأي علم... اللهم إلا مزاج "المحاسب المناوب".