المواطن العادي والموازنة الجديدة
المواطن العادي الذي يربط على بطنه حجراً أو حجرين أو ثلاثة، يستحق من الحكومة ومن وزير المالية بعض الإجابات المقنعة، ويحتاج إلى بعض الإيضاحات المطلوبة التي تتعلق بحياته ومستقبل أبنائه، والمستقبل الاقتصادي للدولة والمجتمع، بعد هذا المسلسل الطويل من الخطوات الموجعة التي أرهقت جيب الموطن وانهكت ميزانية الأسرة؛ لأنها كانت مصحوبة بمنطق التضحية من أجل الوطن، وتحمل الوجع من أجل الإسهام في انقاذ الوضع المتدهور، وينبغي على الحكونة ان تحترم عقل المواطن ولا تستخف به من خلال الالتزام بمنطق برهاني استدلالي واقعي واضح ومقنع؛ على أنها خطوات ضرورية من أجل إصلاح الخلل، والشروع بحياة اقتصادية سليمة ومعافاة، وخالية من التشوهات، وتقوم على فلسفة التقشف وتقليل التوسع في الإنفاق والحد من الكماليات والترف ووقف الهدر وصيانة المال العام من العبث وتعطيل طاحونة الفساد عن الاستمرار.
المواطن الذي تجمد دخله السنوي منذ سنوات طويلة، ويقابل ذلك ارتفاع جنوني في الأسعار، الذي طال فاتورة الغذاء والقوت والطاقة والمواصلات وأقساط المدارس والجامعات والملابس، فُرض عليه تحمل ارتفاع جديد في أسعار الوقود والكهرباء والاتصلات الذي كان سبباً في ارتفاع قائمة طويلة من الحاجات والسلع الأخرى، يحق لهذا المواطن أن يفهم لماذا جرى التوسع في النفقات التي زادت بنسبة 11% في موازنة 2014م عن موازنة 2013م؟. إذْ إنّ إجمالي النفقات تجاوز زيادة الإيرادات المحلية بنسبة 54%.
خطة الإصلاح الحكومي التي فرضت في العام 2013م، ينبغي أن تظهر نتائجها بالأرقام والقيم والإحصائيات المعلنة، إذْ تفيد هذه الإحصاءات أن العجز في الميزان التجاري بلغ (7.5) مليار دينار لنهاية الربع الثالث لهذا العام، فقد ارتفع بنسبة 10.7% عما كان عليه في الفترة نفسها من العام 2012، كما زادت قيمة الاقتراضات الداخلية والخارجية، وزادت المديونية ومن المتوقع حسب الموازنة الجديدة أن تصل قيمة الدين في نهاية العام 2014م إلى «21» مليار دينار أي «30» مليار دولار، وهو أعلى رقم في تاريخ الدولة الأردنية؛ ما يحتم زيادة قيمة خدمة الدين التي ستأكل ربع حجم الموازنة، كما يقول بعض الخبراء.
السؤال المطروح على الحكومة بكل وضوح أين هي ثمرة الخطوات المؤلمة؟ وأين هي ثمرة خطة الإصلاح الحكومي؟ وكيف يستطيع المواطن أن يشعر بالطمأنينة أننا نسير بالاتجاه الصحيح، وهل سيتوقف التدهور ولو بعد بضع سنوات، وهل تستطيع خطة الإصلاح أن تقلص العجز التجاري، وهل ستكون الثمرة بزيادة الإنتاج وتشغيل العاطلين عن العمل، وتقليص مساحات الفقر، وهل سنشاهد المديونية تتناقص عاماً بعد عام. وهل سيقل الاعتماد على المنح والقروض الخارجية في الموازنات العامة؟!!!.
المواطن العادي يريد أن يسمع بعينيه، ويرى ما تقوله الحكومات واقعاً ملموساً، ويريد أن يرى الضرائب التي تشكل العمود الفقري للموازنة. تتحول إلى تأمين صحي شامل، وتعليم مجاني، وماء صالح للشرب، وبنية تحتية سليمة، ومنحنى متصاعد بالدخول يتناسب مع غلاء المعيشة المتصاعد، ويريد أن يرى قدرة الحكومات على بسط الرقابة الحقيقية على جميع المال في كل مؤسسات الدولة بلا استثناء، ويريد أن يقف على قدرة الحكومة على استعادة جميع أموال الدولة المنهوبة واستعادة جميع أراضي الخزينة، التي تحولت إلى أملاك خاصة؛ إذْ يتم المتاجرة بها علانية في الصحف، وبغير ذلك سوف تبقى الثقة بين المواطن والحكومة معدومة، وينبغي أن يكون معلوماً أنه عندما تنعدم الثقة ينعدم الإصلاح، وتتوقف عجلة التقدم، وتعم الفوضى ويتعاظم الفساد، ويتسع الخرق على الراتق، ولا ينفع حينها الندم.
الدستور