الملك في الوحدات..الرسالة والتوقيت

الملك في الوحدات..الرسالة والتوقيت
الرابط المختصر

ليست المرة الأولى التي يقوم بها جلالة الملك عبد الله الثاني بزيارة مخيم ، والالتقاء بوجهائه وممثليه...هذا يحدث دائماً، ومن ضمن نسق تواصلي مستمر، شمل المدن والأرياف والمخيمات...بيد أن هذه الزيارة، للمخيم الأكبر، وفي هذا التوقيت بالذات، تبعث بأكثر من رسالة، وتسجّل أكثر من موقف.

لا أريد أن أتحدث نيابة عن أحد، ولا أن أسقط قراءتي للزيارة / الحدث على أجندتها واستهدافاتها والرسائل التي أُريد بعثها، إن كانت هناك رسائل...بيد أنني أستيطع أن أجزم بأن الزيارة بعثت برسالة طمأنينة واطمئنان للمخيم وأبنائه، بأنهم كمواطنين، لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، وأنهم كلاجئين، لهم الالتزام بحقهم في العودة والتعويض وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، من دون أن تتناقض أو تتعارض «حقوق المواطنة» بـ»الحقوق الوطنية»، لهذه الشريحة الكبيرة من المواطنين ذوي الأصول الفلسطينية...وأستيطع أن أجزم بأن الملك أراد أن يبعث برسالة «كل من يعنيهم الأمر» بأن التطاول على حقوق المواطنين ومواطنتهم، أمر غير مقبول، وأن ما جرى من تعديات على حقوق «الجنسية» جاء بالضد من تعليماته وتوجيهاته، وأن الاستمرار في هذا النهج المدمر لوحدتنا الوطنية، أو العودة إليه، أمر غير مقبول، ولن يجد غطاءً سياسياً من رأس الدولة بسلطتها الدستورية الثلاث.

الزيارة من حيث توقيتها، مهمة أيضا، فهي تأتي بعد مرورة بضعة أعوام على «سياسات الترويع» التي اعتمدتها بعض مؤسسات الدولة ، بحق هؤلاء المواطنين، تحت شعار «تطبيق تعليمات فك الارتباط»، وما شاع ودرج من معلومات حول «سحب جنسية» مواطنين بهذه الحجة وتلك الذريعة، حيث فقد كثيرٌ من المواطنين إحساسهم بالأمان والاطمئنان على غدهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم، وهم الذي شهدوا النتائج الكارثية لسحب الجنسية من مواطنين بغير حق، «ناموا أردنيين واستيقظوا صبيحة اليوم التالي، أعضاء في الجالية الفلسطينية المقيمة في الأردن»، بلا حقوق مع كثير من الواجبات ؟!.

والزيارة مهمة في توقيتها كذلك، كونها تأتي في ظل تفاقم مظاهر الانقسام المجتمعي، وتعالي الأصوات الاتهامية، المهددة والمتوعدة، لهذه الشريحة من المواطنين، تارة بحجة مقاومة «التوطين» و»الوطن البديل» وأخرى بذريعة «التماهي» بين هذه الفئة وجماعة الإخوان المسلمين، وثالثة، لحسابات أنانية ضيقة غذتها عمليات التعبئة والتحريض والتجييش الإقليمية التي قام ويقوم بها، كتاب وسياسيون وناشطون في الآونة الأخيرة.

تصريحات الملك التي رافقت الزيارة، ، تحدثت عن تجاوزات على تعليماته للحكومة، فهو قال «ما جرى بالنسبة لسحب الارقام الوطنية خلال 2010 كانت ضد توجيهاته»...الأمر الذي يلزم من وجهة نظرنا، الحكومة بفتح تحقيق لمعرفة من قرر تجاوز هذه التوجيهات والعمل ضدها ومن أين جاءته الجرأة على فعل ذلك، ومن غطى أفعال هؤلاء المسيئة لوحدة الوطن والمواطنين، ومن حرّضهم وحماهم.

الأردنيون من أصول فلسطينية، هم مواطنون أصيلون وأصليّون في هذه البلاد...ليسوا بحاجة لإثبات ذلك صبيحة كل يوم...حقهم في العودة إلى ديارهم التي شرّدوا منها، قبل أن يلتئم شمل «وحدة الضفتين» لا ينتقص من حقوق المواطنة، فهذا هو جوهر «العقد الاجتماعي» في أريحا قبل أزيد من ستين عاماً...ولقد برهنوا، بالقول والفعل على حد سواء، بأنهم بناة أساسيون لهذا البلد ولصرح عمارته ومنجزاتها...وأنهم جنود أشداء في الذود عنه إن وقعت الواقعة لا سمح الله، وتعرض الأردن للخطر والتهديد.

وهم كغيرهم من أبناء الأردن، لهم الحق في أن يكونوا في «السلطة» و»المعارضة»...لا أتحدث هنا عن «الموالاة»، فكلنا موالون للأردن وكلنا مجمعون على نظامه الملكي...لكن دون هذه الثوابت الأساسية، وتحت سقفها، من حق الأردنيين، كل الأردنيين، أن يختلفوا ويتفقوا من دون ابتزاز أو تهديد، من دون اتهام أو تخوين أو إخراج من الملة أو تلويح بـ»الجسر»، حول شكل نظام السياسي وقواعد لعبتهم السياسي والنظرية الاقتصادية التي تحكم معاشهم واجتماعهم.

زيارة الملك للوحدات، مناسبة – ربما – لإعادة طرج هذه الحقائق والبديهيات، في زمن بتنا فيه بحاجة لتأكيد المؤكد وتعريف المُعرّف...فنحن نمسع ونقرأ ونرى ما تقشعرّ له الأبدان من أطروحات ومواقف وممارسات، حمى الله الأردن والأردنيين جميعاً، ومن كافة المنابت والأصول كذلك ؟!

الدستور