المسؤول الفلسطيني وجواز السفر الأردني

المسؤول الفلسطيني وجواز السفر الأردني
الرابط المختصر

كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية ، يحرصون على الاحتفاظ بجوازات سفرهم الأردنية ، بل أن بعضهم لا يترك باباً إلا ويطرقه ، من أجل الحصول على "رقم وطني أردني" وجواز سفر لمدة خمسة أعوام ، مع أن معظم هؤلاء يحملون جوازات سفر دبلوماسية وأرقاما وطنية فلسطينية ، وهم في قمة هرم السلطة والمنظمة ، بل ولا يكفون عن إسماعنا شتى أنواع الموشّحات والتراتيل والترانيم ، عن "المشروع الوطني الفلسطيني" ، وعن نجاح السلطة الفلسطينية في إعادة أزيد من 200 ألف فلسطيني لاجئ إلى وطنه ، منذ أوسلو حتى اليوم؟،.

بالنسبة لهؤلاء ، فإن المشروع الوطني الفلسطيني ليس سوى "محاولة" ، يقدمون عليها من دون أن يحرقوا جسورهم ، هم لا يحتفظون بجوازات سفرهم الأردنية فحسب ، بل ويتركون ثرواتهم الرئيسية في الخارج ، لقد اشتروا العقارات والبيوت ، واحتفظوا لأنفسهم بحسابات مصرفية في الخارج ، وأبقى الكثيرون منهم أبناءهم وبناتهم في مدارس عمان أو غيرها من العواصم... الوجود على أرض الوطن بالنسبة لهؤلاء يشبه "نظام الإعارة" والذي ينتهي دائما بالعودة إلى نقطة الانطلاق.

بعض المسؤولين السابقين ، من نفس الفصيلة والمدرسة ، غادورا "الوطن" ما أن غادورا الوظيفة ، إقامتهم الرئيسة في بيوتهم التي لم تغلق يوماً في عمان... بعضهم الآخر يحرص على "تنويع مكان إقامته" تحسباً للظروف ، له بيت في عمان وآخر في دمشق أو القاهرة - وفقا لهواه السياسي وأصله ومنبته - اما الاستثمارات في دبي فتلك حكاية جديدة ، لا تشبهها سوى معلومة سربها لي موظف في "مصرف ما" عن مسؤول أمني سابق ، يحرص على إيداع مبالغ محترمة في حسابات أنجاله ، تحسباً لعاديات الدهر ، والحبل على الجرار.

بعض النواب الأفاضل والمعلقين والصحفيين ، تناولوا مؤخراً هذه الظاهرة - القديمة نوعاً ما - من زاوية الإشارة إلى ازدواجية وتناقض الاجراءات الأردنية في هذا الاتجاه ، إذ في الوقت الذي تسحب فيه جنسيات مواطنين عاديين وأرقامهم الوطنية ، تعطى هذه الجنسيات والأرقام الوطنية لمسؤولين فلسطينيين كبار ، من غير وجه حق ، حسب هؤلاء ، وهذا صحيح ونحن نوافق عليه ونعرف دوافعه ولا نقبل بها أبداً.

لكن ما يهمنا في هذا المقام ، مناقشة الظاهرة ذاتها من زاوية المشروع الوطني الفلسطيني ودرجة ثقة سدنته ورعاته به وبفرص نجاحه... إنهم باختصار يكذبون علينا... إنهم يعملون لهذا المشروع طالما ظل مصدراً للجاه والسلطة والثروة والأضواء... وسيقفزون من سفينته فوراً ومن دون إبطاء عند أول تعثر أو انعطافة ، ولهذا فهم حريصون على سياسة "مد الجسور الشخصية" ، جسورهم هم وأفراد عائلاتهم وثرواتهم مع الخارج ، من خلال الأردن ، فيه وعبره ، إنهم يرون في جواز السفر والجنسية الأخرى ، طوق النجاة الذي سيستقلونه إذا ما جنحت السفينة وأشرفت على الغرق.

قبل عشر سنوات أو يزيد ، كتبنا في هذه الزاوية بالذات ، معلقين على موقف قادة حماس المبعدين من الأردن من مسألة الجنسية وجواز السفر الأردنيين... يومها أخذنا عليهم إصرارهم على أردنيتهم ، وقلنا كيف يمكن لزعماء ثاني تنظيم سياسي ـ عسكري على الساحة الفلسطينية أن يستمسكوا بجنسية وجواز ورقم وطني لدولة أخرى ، مع أنهم بحكم علاقاتهم الدولية ، لديهم جوازات سفر من دول عديدة ، وبأسماء عديدة ، تماماً مثلما كان عليه حال قادة ومناضلي الفصائل الفلسطينية المختلفة ، وطوال ما يزيد عن ربع قرن.

اليوم ، نجد لهؤلاء "العذر المخفف" ، وإن كنا لا زلنا غير قابلين بموقفهم ذاك... إذ بالقياس لموقف قادة السلطة الكبار ، فإن قادة حماس في الخارج لا يحملون جوازات سفر فلسطينية لا عادية ولا دبلوماسية ، وليست لديهم أرقام وطنية ، ولهذا قد يكون استمساكهم بالجواز والرقم الأردنيين مفهوماً نسبياً ، وأشدد على نسبياً ، لكن ماذا عن هؤلاء الذين يحملون جواز السفر الدبلوماسي وبطاقة الـ"VIP" ، ما بالهم لا يقنعون بما لديهم ، ما بالهم ينهون عن فعلْ ويأتون بمثله؟،.

خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة استمعت لقصص كثيرة عن المسؤولين الفلسطينيين وجواز السفر الأردني ، بعضهم لم يحمل الجنسية الأردنية طوال حياته ، لم يكف عن إرسال "كتب الاسترحام" وتوسيط "سعاة الخير" للتجنس والحصول على الجواز... أحدهم قرأ لي ذات مرة الرسالة التي كانت تطبع على غلاف الجواز وفيها طلب باسم جلالة الملك إلى البعثات الدبلوماسية الأردنية لتسهيل مهمة حامله ، قرأها باعتبارها رسالة مكتوبة خصيصاً له ، قبل أن أظهر له جواز سفر والدتي الذي كنت قد جددته للتو لكي تؤدي فريضة الحج ، وعليه مطبوعة الرسالة ذاتها ، وبنفس درجة التشديد على تقديم كل أنواع التسهيلات والعون والحماية كونها مواطنة فقط ، ومن دون حاجة لأن تكون صنفاً خاصاً من البشر.

صدمتنا اليوم ، أن الأسماء التي تتردد في قوائم الساعين للحصول على الجنسية والجواز والرقم الوطني ، تمثل رجالات الصف الأول الفلسطيني ، وما فوق الصف الأول... وإذا كان رب البيت للطبل ضارباً ، فلا يلومنّ أحدّ سكان الضفة الغربية والقدس - وحتى غزة - إن هم حرقوا في حفل جماعي جوازات سفرهم وهويّاتهم الفلسطينية ، أو تقدموا بطلب التحاق جماعي بالأردن.

الدستور

أضف تعليقك