المدارس الخاصة:فوضى الاستثمار في التعليم

المدارس الخاصة:فوضى الاستثمار في التعليم
الرابط المختصر

لا يوجد لدى وزارة التربية والتعليم - كما يقول مدير التعليم الخاص - اية تعليمات تسمح لها "بضبط" حالة فوضى الاسعار التي يشهدها قطاع المدارس الخاصة ، وهذا يعني ان "رأس المال" الذي يتحكم اصحابه بواقع تعليم ابنائنا الذين ضاقت بهم المدارس الحكومية سوف يظل "اللاعب" الوحيد في الميدان اذ انه لا رقابة عليه ، ولا جهة حكومية تستطيع ان تتدخل لكبح جماح "ارتفاع الاسعار" فيه ، او ضبط سوقه ووضع ما يناسب من تشريعات واجراءات لحماية المواطن من منطق "الاذعان" الذي تفرضه عليه بعض هذه المدارس حين تستبد بالمطالب والشروط والاسعار.. وكأنها "استثمارات" محصنة من اية رقابة او اشراف.

من غير المعقول ان تصل الرسوم الدراسية في بعض المدارس الخاصة الى ارقام فلكية وان يترك لها حرية فرض ما تريده من مناهج عربية واجنبية على ابنائنا ، وان نتعامل معها على انها "استثمارات" ينطبق عليها ما ينطبق على المصارف او الشركات الاخرى من قوانين ، علما باننا نتحدث عن "تعليم" وعن "اجيال" نراهن عليهم في المستقبل ، وعن "عدالة" في توفير فرص التعليم لكل اردني ، بعيدا عن "الطبقية" التي تفرضها موازين الفقر والثراء.

في بلادنا ثمة خليط من المدارس الخاصة يدرس فيها اعداد كبيرة من الطلبة بعضهم مضطرا بسبب عدم وجود مدارس حكومية مناسبة وبعضهم بدافع البحث عن تعليم افضل مع وجود القدرة المالية على الدفع ، ومع اننا لا نريد ان ندخل في تفاصيل ما يحدث داخل هذه المدارس وما يتعرض له ابناؤنا فيها من مشكلات ، وما يُدرّس فيها من مناهج وما يعانيه بعض العاملين من تدن للاجور ، الا انه الصرخة التي اطلقها اخواننا في الحركة الطلابية "ذبحتونا" حول "تغول" هذا القطاع ، وغياب الرقابة الحكومية عنه ، يدفعنا الى المطالبة بضرورة فتح هذا الملف ، ووضع ما يلزم من تشريعات لضبطه ، لا حفاظا على مستوى التعليم او من اجل تحصين ابنائنا من المناهج المستوردة فقط وانما -ايضا - لكبح موجة "الغلاء" الفاحش التي بدأت ترتفع كل سنة ، دون ان يملك المواطن اية وسيلة لمواجهتها او الحد منها ، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الجميع.

المدارس الخاصة في ظل غياب البديل الحكومي خاصة في المدن الكبرى اصبحت ضرورية ولذلك لا يجوز ان نقول لمن يشتكي من "فوضى" اسعار هذه المدارس: انت حر ، ولا احد يرغمك على تسجيل ابنائك ، فهو يضطر الى ذلك لانه في الغالب لا يجد مقاعد لابنائه في المدارس الحكومية القريبة منه وبالتالي فان مسؤولية "حمايته" تقع على عاتق الكومة اولا لانها اخفقت في توفير مدارس "مجانية" مناسبة ، وثانية لانها مسؤولة عن ضبط هذا القطاع اسوة بغيرة من القطاعات التي لم تتردد في بسط سيطرتها عليها.

في وقت مضى ، سمعنا عن محاولات لتصنيف المدارس ، ووضع حدود ما للرسوم التي تتقاضاها وتشديد الرقابة على مناهجها وادائها وهذا -بالطبع - يحتاج الى "تشريع" وقبله الى ارادة حكومية حاسمة لمعالجة هذا الملف من كافة جوانبه ، لكن ذلك ما زال في "الغيب" ولم نر منه شيئا.

نضم صوتنا الى اصوات الحركة الطلابية ، ونطالب المسؤولين بوقف ما نشهده في هذا القطاع الهام من "فوضى" وانفلات في الاسعار ومن "تغول" على المواطن.. ومن "لامبالاة" بكل ما يصدر عن الحكومة ومؤسسات المجتمع من نداءات ومطالبات للاحساس مع الطلبة والآباء ومراعاة ظروفهم واحوالهم والتعامل معهم بمنطق من يستثمر في التعليم لا بمنطق من يستثمر في "البورصة" او الجباية.

الرد الطبيعي على ذلك يبدأ -اولا - باعادة الاعتبار لمدارسنا الحكومية وتوفير ما يلزمها من امكانيات وكفاءات لتستطيع ان تنافس وتتميز وتسمح للطلبة بتفضيلها على غيرها من مدارس القطاع الخاص كما هو الحال في بلاد اخرى ، وهنا نتمنى ان تتكرر تجربة الوزيرة البريطانية التي اضطرت لتقديم استقالتها حين ادخلت احدى بناتها لمدرسة خاصة واعتبر ذلك ادانة لها لانها فضلت مدرسة خاصة لتعليم ابنتها بدلا من المدارس الحكومية ، هذه التي قصرت كوزيرة للتعليم في الارتقاء بمستواها الى مستوى المدارس الخاصة.

الدستور