اللهم عفوك!

اللهم عفوك!

 

 

على نحو تلقائي، ومن دون تفكير، وجدت نفسي معارضاً لعقوبة الإعدام بالمطلق حتى في ميدان معركة. قادني إلى ذلك ملاحظات السنوات القليلة الماضية، التي أفادت أن نسبةً عاليةً من الأحكام التي تنفّذ، لم تنفذ لإيقاع حكم "العدالة"، بل جرت لأسباب سياسية، سواء كعقوبةٍ أو لكسب جمهور لغايات سياسية..

 

لدينا في الأردن، تم تنفيذ أحكام إعدام بعددٍ غير مسبوق، في فجرٍ واحدٍ، في ردٍ سياسي على الإرهابيين في العام الماضي. ويفترض أن الإرهابيين الذين نردّ عليهم هم مسألة أمنية. لكن "نظامنا السياسي"، الذي يتعامل مع المؤسسات المدنية (الأحزاب والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني السلمية) بالوسائل الأمنية، يتعامل مع المنظمات الإرهابية (في غرب العراق وجنوب سوريا) بوسائل سياسية، تتضمن اتصالات وتفاهمات!

 

وفي العالم يقشعر بدن المرء لأخبار تنفيذ أحكام الإعدام، بل وتغضبه. وبما إن الإنسان "حيوان سياسي"، كما يقال، فإن عدد أحكام الإعدام المنفذة في السعودية تثير المرء، لكن حينما يكتشف المرء في اليوم التالي أن الحالات المماثلة في إيران تمثل إحراجاً لبطش القرون الوسطى، يضع المرء لسانه ويصمت.

 

الشيء المذهل، أن السعودية نفسها، التي تتصدر العالم العربي في قائمة أكثر البلدان تنفيذاً لأحكام الإعدام، ومسجلة في القائمة العالمية للدول الأكثر في هذا المجال، هي بالمقارنة مع إيران تلميذ يحبو في الروضة، بحسب ما يعلن رسمياً في طهران.

 

الأدهى، أن الضيق الذي تثيره الطريقة القروسطوية في تنفيذ أحكام الإعدام في السعودية، والذي يحكم بها "قضاء" بدائي لا يتجاوب مع المعايير الإنسانية ووثيقة حقوق الإنسان، لا يعدل الاشمئزاز الذي تبعثه طريقة الإعدام الإيرانية "العصرية" المهينة، التي تحكم بها محاكم لا يعترض عليها أحد!

 

من المذهل أن أحكام الإعدام في النموذج الأسوأ في العالم العربي، أي السعودية (رغم أن الظروف الخاصة التي تحيط بها مفهومة) خلال السنوات الماضية هي في أغلبها أحكام تتعلق بالإرهاب الأصولي المتشدد، المقترن بتنفيذ عمليات إرهابية، أو بقضايا مخدرات أو قصاص، بينما في إيران أغلبها في قضايا مختلف عليها، ولا تتعلق بقتل ولا مخدرات، ولا إرهاب، ولا حتى تآمر على الحكْم القائم!

 

وهنا، على نحو مفاجئ سحبت السعودية من هيئة «الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف» صلاحية توقيف الأشخاص وملاحقتهم، أو التحفظ عليهم أو مطاردتهم أو طلب وثائقهم أو التثبت من هوياتهم أو متابعتهم، وتم قصر عملها على تقديم البلاغات للشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات. وتم منع عناصر الهيئة من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي، ووقف نظام التطوع فيها، وإلزام أعضائها إبراز بطاقة التعريف الرسمية الخاصة بهم بشكل ظاهر تتضمن الاسم والوظيفة والمركز الذي يتبعه صاحب البطاقة وساعات عمله الرسمي.

 

وبعد ذلك بيومين، وعلى نحو غير مفاجئ أبداً، نشرت إيران 7000 شرطيٍ سريّ من رجال ونساء بملابس مدنية، في العاصمة طهران، لمراقبة حجاب الفتيات والنساء واعتقال المتبرجات ومن لا يلتزمن بالحجاب الشرعي الكامل.

 

الأمر بالطبع ليس سرياً كما توحي عبارة المخبر السري، فقد عقد قائد شرطة طهران محسن ساجدي نيا، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه النبأ، كما أعلن قائد شرطة المرور في العاصمة طهران، سيد تيمور حسيني، أن الأجهزة الأمنية ستبدأ بوقف السيارات التي تقلّ فتيات غير محجبات، مشيراً إلى ضبط نحو 40 ألف سيارة لفتيات غير محجبات أثناء قيادتهن السيارة خلال الأشهر الثمانية الماضية.

 

يا للهول؛ ضبط نحو 40 ألف سيارة لفتيات غير محجبات أثناء قيادتهن السيارة خلال 8 أشهر! بعد ذلك، يكتشف البشر أنهم يعيشون في دول تختلف على طريقة الإعدام، وتتفق على أن الأصل في الاسلام هو التسامح بعد إيقاع العقوبة الشرعية، بحد السيف أو بالشتق تعليقاً على رافعة صنعتها ألمانيا أو اليابان للمساعدة في الإنشاءات..

 

اللهم عفوك!

 

ياسر قبيلات: روائي وقاص وسيناريست. عمِل مديراً للنصوص وتطوير الأفكار في المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية، ونال جائزة النص المتميز في المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في تونس عام 2005.

أضف تعليقك