"الكلاشنكوف".. اضرب بقوة
لف الصمت مجلس النواب عقب التطورات الدراماتيكية لحادثة "الكلاشنكوف". بعد التصويت "السريع" على فصل النائب طلال الشريف، وتعليق عضوية النائب قصي الدميسي سنة واحدة، لم نسمع ولا حتى همسة اعتراض في البرلمان أو صوت احتجاج، انتصارا لهذا أو ذاك.
كان النواب أمام لحظة مصيرية؛ قرارات حاسمة بحق النائبين، أو قرار حاسم بحق الجميع. التقط رئيس المجلس سعد هايل السرور، الرسالة قبل أن يتوجه للقاء الملك، وأعد الترتيبات لقرار تاريخي. وحين عاد للمجلس، كان النواب على قناعة بأن لا هامش للمناورة أمامهم؛ فكانت واحدة من أسرع جلسات المجلس.
لو لم يكن التصرف على هذا النحو، لتحول الأمر إلى مهزلة، وصار المجلس ساحة للمجموعات المسلحة والبلطجية.
حادثة "الكلاشنكوف" ليست المشاجرة الأولى؛ فقد سبقتها حوادث عديدة، استخدمت فيها كل أنواع "الأسلحة" المتاحة تحت القبة. لكنها المرة الأولى التي يُشهر فيها نائب سلاحا رشاشا بهدف قتل زميله، وتفلت منه طلقة طائشة قبل أن يتم ضبطه.
لنا أن نقول ونزيد في الكلام عن قانون الانتخاب الذي أفرز نوابا من هذه النوعية، والمناخ السياسي الذي حكم خيارات الناخبين، ومسؤولية الدولة عن ذلك كله. لقد قال الكثيرون حول هذه الأمور كلاما بالأطنان، وأصابنا الملل والإحباط من تكراره، ناهيك عن أن ترديده الآن لم يعد مجديا.
دعونا نستفيد من الحادثة، والمنهج الصارم في التعامل معها، لنجعل منها نقطة تحول؛ ليس في مجلس النواب فحسب، وإنما على مستوى الدولة كلها. لم يكن للأمر أن يصل بنائب إلى حمل سلاح رشاش غير مرخص في سيارته، والشروع باستخدامه لقتل زميله، لو كان لديه أدنى شعور بوجود سلطة قانون فوق رأسه، فكيف بمواطن عادي أو وجيه متنفذ أن يخشى القانون بعد ذلك؟
سلوك النائب "المفصول" هو ذروة الانهيار لهيبة القانون وسلطته، لكنها في اللحظة ذاتها يمكن أن تكون نقطة التحول الحاسمة لاستعادة هذه الهيبة، وفرض سلطة القانون على الجميع؛ على المتنفذين، وسارقي المياه والكهرباء، والمعتدين على أملاك الدولة، وحاملي السلاح، ومثيري الشغب، والفاسدين، والمتلاعبين بمواصفات السلع، والمتحايلين على التشريعات، كما على المتواطئين معهم. دولة القانون كانت الضحية في الأردن، والجناة كثر؛ حكومات ووزراء، وأعيان ونواب، ومسؤولون من مختلف الرتب، ووجهاء، وإعلاميون، وأجهزة أمنية، وأثرياء في القطاع الخاص، ومؤسسات رقابة تنازلت عن دورها. كل الأطراف تتحمل قسطا من المسؤولية.
الضربات الحاسمة تُحدث الفرق بسرعة. وما حصل في مجلس النواب أول من أمس خير دليل. لو تباطأ المجلس وأجّل النظر في الحادثة إلى اليوم التالي، لتغيرت المعطيات تماما. بمثل هذا الأسلوب يتعين التعامل مع ملفات كثيرة، وتجاوزات لا حصر لها في كل مناحي حياتنا.
التلكؤ أدى إلى مراكمة الاختلالات، فأصبحت أمرا واقعا، لا بل ومكاسب يصعب الاقتراب منها. صار تجاوز القانون في الشارع هو القانون، والتعدي على المؤسسات والمرافق العامة حدثا روتينيا، والوقوف في وجه إنفاذ القانون "مرجلة" تحسب لصاحبها.
بالنتيجة، استدعى المجتمع كل ما في ذخيرته من عصبيات قديمة وروابط تقليدية، لتحل مكان سلطة القانون، ودولة المؤسسات. الوظائف والمنافع توزع وفق قاعدة المحاصصة، وويل للدولة إن قاعدت مسؤولا من هذه المنطقة أو العشيرة من غير أن تُتبعه بقرار تعيين خليفة له من نفس العلبة. أول من أمس فقط، شعرنا أن مسؤولا كبيرا ضرب بقبضته على الطاولة قائلا: كفى. نأمل أن يستمر بالضرب وبقوة أكبر، قبل أن نفقد الأمل.
الغد